هذه قصة موسى كما جاءت في هذه السورة، وقد فصَّل فيها ما لم يفصِّله في السور الأخرى، وأجمل فيها ما فصله في السور الأخرى من غير تكرار في القرآن، كما يدل على ذلك الاستقراء والتتبع، فالمقصد مما يذكر في كل موضع يختلف عن المقصود في الموضع الآخر، والعبرة تختلف في موضع عن الآخر، والتفصيل يتبع العبرة، والإجمال يكون فيما يجيء تابعا لذلك.
قوله تعالى:
(وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى) الاستفهام للتنبيه إلى الخبر الخطير الذي يقصه عن موسى عليه السلام، وكيف كلمه ربه، و (الحديث) ما يتحدث به، والمراد بـ (حَدِيتُ موسى) ما يتحدث به عن موسى، فالإضافة لأدنى ملابسة، والاستفهام كما قلنا للتنبيه إلى أمر خطير، وكان الاستفهام عن علمه - ﷺ -، وإذا لم يكن على علم به فإنه سبحانه سيُعلمه. والحديث في الوقت الذي كان يطلب فيه نارا رآها يشير إلى ضوئها في ليلة قارة شديدة البرودة والظلام، وكان في ظلام حالك:
(فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا... (١٠)
أي اثبتوا في أماكنكم، (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا)، أي رأيتها واستأنست بها في وحشة ذلك الظلام الحالك وذلك الليل البهيم (لَّعَلِّي آتِيكُم) في مكثكم وسعيي لها (بِقَبَسٍ) أي جذوة أو شعلة تصطلون بها من قركم وتشعلون بها مشعلا يضيء لكم، ويكشف لكم الظلمة الحالكة (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) (عَلَى) بمعنى " عند "، والمعنى أو أجد عند النار هدى أعلم معالم الطريق، ونسير على هدى هذه النار، وهناك من قال: إن الهدى هو الهداية، لأن طالب الحق يكون في شاغل من أمره بطلب الهداية، وخصوصا مثل الكليم الذي ثار على ظلم فرعون. ولقد ذكرت القصة في سورة القصص بتفصيل في ذلك، فقد جاء في سورة القصص (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩)، وهذه مشاق تحملها موسى كليم الله تعالى، وقد تربى منعما مرفها في بيت فرعون، ولكنه آثر حياة الجد على حياة اللهو والترف فلم يُرِد أن يكون من المترفين فكان من النبيين.