القدسية، أن يكون الأمر بخلع نعليه، وذلك الخلع للخشوع والخضوع، إذ هو في الحضرة الربانية، وهو بواد مقدس طاهر، وإن الناس إذا كانوا في حضرة ملوك الأرض خلعوا نعالهم، فكيف إذا كان موسى في حضرة ذي الجلال والإكرام وأضل والإنعام، وإن في هذا الفعل الحسي إشعار للنفس بأن تتفرغ لله تعالى، وأن يكون الله وحده هو شاغلها، فلا يشغلها شيء سواه، وقال تعالى: (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ) المطهر من الأرجاس الحسية والمعنوية، وهو (طُوًى)، وهو اسم لواد في هذه الأرض المقدسة، وحسبه شرفا أنه قد تجلى الحق فيه وكلم موسى تكليما.
يقول تعالى مخاطبا نبيه موسى عليه السلام:
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ... (١٣)
كرر الضمير تأكيدا لخطابه سبحانه وتعالى، ولإيناسه، وإزالة الاستغراب و (اخْتَرْتُكَ) معناه أنه اختاره لرسالته، كما قال تعالى في آية أخرى... (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤).
وقوله تعالى: (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) الفاء للعطف وللترتيب والتعقيب، فالاستماع لما يوحى الأمر به مترتب على الاختيار له، أو هو موضوع الاختيار ذاته، وما يوحى إليه هو التوراة وما فيها من شرائع وأحكام وأساسها عقيدة صحيحة مستقيمة هي ما تضمنه قوله تعالى:
(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)
لهذه الجملة السامية بيان لمعنى ما يوحى الله به مما يجب الاستماع له والأخذ به وتبليغه، وأن يخاطب به فرعون، وما ذكره في هذا المقام، هو لب التدين، فلبُّ التدين هو عبادة الله وحده وإقامة الصلاة لذكر الله تعالى، والخشوع والركوع والسجود، فالصلاة كلها ذكر لله تعالى، وهي شرعت لتمتلئ القلوب بالله، ولتكون مطمئنة لذكر الله تعالى: (... أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وذكر الله تعالى هو الذي ينقي القلوب من أدران الهوى، والقلوب التي تذكر الله تعالى لَا يدخلها الشيطان، ولا يسكن الشيطان إلا القلوب الفارغة من ذكر الله تعالى، ولقد قال الزمخشري في معنى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكرِي)، " لذكري: أي