تعالى بكلامه من وراء حجاب، وخطابه له بالوحي كغيره من الرسل، خاطبه الله تعالى بالمعجزة وأعطاه ما يدل على صدقه، وهو العصا، وضم يده إلى جناحه وإخراجها من غير سوء، مع آيات أخرى كانت تجيء كل آية في مناسبتها.
قال تعالى لنبيه وكليمه:
(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) الاستفهام للتنبيه إلى حالها التي عليها من أنها خشب شجر، أو نحوها، وإلى ما ستئول إليه بعد ذلك من أنها حية تسعى، و (بِيَمِينِكَ) صلة لموصول محذوف وقامت الصلة مشيرة إليه، أي:

وما تلك التي بيمينك، وكان التنبيه والإشارة إلى كونها، ولكن موسى عدل عن بيان ما هي عليه، وعن مادتها إلى بيان ما يستخدمها، واكتفى في بيان ماهيتها بقوله (هِيَ عَصَايَ (١٨) والياء ياء المتكلم فُتِحَت لوقوعها بعد ألف " عصا "، وقرئ بكسرها تخلصا من التقاء الساكنين بالكسر، وهو الأصل في التخلص من التفاء الساكنين.
وخلاصة القول، أن الاستفهام توجيه لذهن موسى عليه السلام إلى أن ينظر في حقيقتها لكي يدرك من بعد وجه الإعجاز إذا رأى حالها بعد ذلك في الحال التي تتحول إليها.
وقد أجاب موسى عليه السلام إلى المنفعة التي ينتفع بها فيها وذكر أمرين وأمر ثالث فيه شتى المنافع، الأمر الأول مما ذكره عبر عنه عليه السلام بقوله:
(أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا)، أي أعتمد عليها في متابعتي للغنم، ومراقبتي لها عندما يحل بنا التعب، أو أعتمد عليها في كل الأحوال في مراقبتي لها، والأمر الثاني ذكره بقوله: (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي)، أي أخبط على رأسه خبطا خفيفا، لأبعده عن مواطن تضره، وذلك من هش الورق إذا خبطه خبطا يسيرا لينظمه، وفي ذلك دلالة على الرفق بهذا الحيوان الضعيف وتوجيهه بأقل ما يكون من توجيه من غير ضرب ولا زجر، ولذا كان النببون يُعَوَّدون الرفق برعاية الغنم، فهذا نبي الله موسى قبل أن يبعثه الله رسولا نزعه من قصور فرعون إلى رعاية الغنم، وهو القوي الذي وكز الرجل من آل فرعون فقضى عليه، فكان لابد أن يذوق الفقر ويتعود الرفق في رعي الغنم. والأمر


الصفحة التالية
Icon