وبين بعد ذلك ما في الأرض من جبال راسيات، ومن مهاد، ومن فجاج وسبل، وجعل السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون، وبيَّن سبحانه أنه خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون، وأن نهاية النفوس جميعا إلى الموت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٣٥)، ثم أشار سبحانه إلى استهزاء المشركين يقولون عند رؤية النبي - ﷺ - (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٦)، وقد أشار سبحانه إلى ما في الإنسان في طبيعته من الاستعجال، ويستعجلون العذاب (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، ثم بين سبحانه حال الكافرين (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠).
ولقد ذكر الله تعالى لتسلية النبي - ﷺ - ما كان يفعله السابقون من السخرية برسلهم وحاق بالذين سخروا ما كانوا به يستهزئون.
ثم نبه سبحانه إلى ما أنعم به عليهم من نعم وهي دائمة (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢)، وليس لهم من يمنعهم من الله، وأنه سبحانه مَتَّعَ هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم [الْعُمُرُ] (١) وظنوا أنه لا حساب، وقد وجدوا عقاب الله تعالى لمشركي مكة بالحرب التي كانت تنقص عليهم الأرض من أطرافها.
ولقد أشار سبحانه إلى موسى وهارون وقد آتاهم ما أضاء الحق وذكَّر المتقين، وما كان فرقانا بين الهدى والضلال، وهذا ذكر مبارك وهو القرآن، أفأنتم معشر المشركين له منكرون.
ذكر بعد ذلك شيئا من مجاوبة إبراهيم لعُبَّاد الأوثان قائلا لهم: (... مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (٥٣) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٥٤) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ
_________
(١) زيادة يقتضيها السياق. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).