التوضيح بعد الإبهام فضل توكيد للمعنى، وزيادة في الترهيب بالإشارة إلى أن الاقتراب منهم.
ويلاحظ أن الاقتراب يتعدى بـ " إلى "، فيقال: اقترب إليه، وبـ " مِن " فيقال: اقترب منه، فلماذا كان التعدي في الاقتران باللام؛ ونقول في الجواب عن ذلك: إن التعدية بـ " إلى " أو " من " ربما تدل على المحبة والمودة، وهما لَا يصلحان في هذا المقام، فالاقتراب اقتراب مدة لَا قرب رفق ومودة، ويقال في قرب المبارزة، اقترب المبارز لخصمه، ولا يقال اقترب إليه أو منه؛ ولأن " اللام " تفيد الاختصاص، فالاقتراب للحساب يخصُّهم ويملكهم.
وقال تعالى: (وَهُمْ فِي غَفْلَة معْرِضُونَ) الجملة حالية، وقد وصفوا فيها بوصفين: الأول: أنهم في غفلة عن هذا الحساب إذ هم لَا يؤمنون بالبعث بسبب غشاوة جاءت على أعينهم، وقلوبهم غلف، فهم غافلون عن ذلك اليوم مأسورون بالحسّ، لَا يعرفون ما وراءه، وأول مظاهر اليقظة النفسية تعرُّف ما وراء الحس، فيتساءلون لماذا خلق الإنسان وما غايته؟ وما نهايته؟ ويدركون أنه لم يخلق عبثا، وهذا فرق ما بين الإنسان والحيوان.
فهم في غفلة عن هذا، وإذا جاء مذكر موقظ لعقولهم من رسول أو نبي أعرضوا عنه، فكان في أوصافهم أمران أولهما: غفلة نفسية لَا تدرك بذاتها، والثاني أنهم إذا جاء من يذكرهم أعرضوا عنه ونأوا بجانبهم، وقال تعالى: (معْرِضُونَ) بالوصف يدل الفعل للإشارة إلى أن الإعراض ملازمهم ملازمة الغفلة لهم؛ ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذلك:
(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣)
الذكر هنا هو الرسول الذكِّر، وعبر عن الرسول بالذكر؛ لأنه عمله ورسالته، فعبر عنه بأخص أوصافه، كما قال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ)،