ويعودوا إلى دين آبائهم، وقوله تعالى: (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل من " واو الجمع " في قوله (وَأَسَرُّوا) وفائدة ذكر هذا البدل وصفهم بأنهم كانوا ظالمين في هذا التشاور والتآمر على الحق والصد عن سبيل الله، كما كانوا ظالمين في الإعراض عن ذكر الله المتجدد آية بعد آية، ورسولا بعد رسول.
وقد كانت نتيجة تآمرهم قولهم: (هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مُثْلُكُمْ) الاستفهام هنا للإنكار، والمعنى: ما هذا إلا بشر مثلكم، وهذا تسويغ لإنكارهم؛ لأنهم لا يعتقدون أن الرسول لَا يكون من جنس البشر بل يكون من الملائكة، فهم يريدون أن يلقوا في روع الناس أن هذا مثلهم، فلا يمكن أن يكون نبيا مرسلا، والاستفهام الذي يدل على النفي فيه تنبيه لهم، وكان النفي من السامع لَا من المتكلم. وقد بينوا أن إيمانهم به إيمان بالسحر، فقالوا: (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) " الفاء " عاطفة على فعل محذوف تقديره أتصدقونه فتأتون السحر وأنتم تبصرون، ومعنى إتيانهم السحر حضوره ومشاهدته فكأنَّهم هم الذين أتوه، (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) أي لم يموه على أبصاركم فسحر عيونكم، بل أنتم تدركون بكامل بصركم وترون الأشياء والوقائع.
وفى هذا حكم على القرآن بأنه سحر؛ لأنه يعمل السحر، ولم يجدوا طريقا لإدخال إفكهم على الناس إلا بهذا الادعاء الباطل، وإذا كانوا قد ائتمروا بالنبي - ﷺ - في إسرار نجواهم فالله تعالى يعلم ما تناجوا به، وما ائتمروا عليه، ولا يهمه - ﷺ - أن يعلم ما يتآمرون عليه من قول، وما يدبرونه من صد عن سبيل الله؛ ولذا قال تعالى:
(قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤)
الضمير الفاعل لـ (قَالَ) يعود على النبي - ﷺ -؛ لأنه المذكور قبل ذلك، إذ هو الرسول الأخير الذي خاطب المشركين، وأسروا له النجوى، وخرجوا إليه بالطعن فيه، وصرف الذين اتبعوه عنه، فهو يبين في هذا أن الذي يأتمرون به من نجوى أو جهر يعلمه الله وهو في معنى التفويض إليه سبحانه؛ لأنه رسوله الذي