لا يقع من البناء والأحجار، ولكن من الذين يحلون في القرية، فأسند الفعل إلى المحل وأريد الحالّ.
وقوله تعالى: (وَأَنشَأنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) أي أن هذه القرية التي قصمت وحطم بنيانها وأزيلت من الوجود أنشأ بعدها قرية أخرى غير ظالم أهلها يسكنها قوم آخرون، وهنا أمران يوجبان الالتفات.
أولهما - أن الحديث عن القرية ولكنه سبحانه قال إنه لَا ينشئ القرية مرة أخرى، إنما ينشئ قوما آخرين، وإنشاء قوم آخرين ينشئ قرية، وليس الأمر أمر البنيان، وإنما الأمر أمر من يسكنون البنيان، ووصفوا بـ (آخَرِينَ) لبيان تباينهم عن الأولين.
الأمر الثاني - التعبير بـ (أَنشَانَا)، والتعبير بقوله (بَعْدَهَا)، فالذكر للبَعدية بالنسبة للقرية مع أن الإنشاء للأقوام الآخرين، وكان ذلك لأن الحديث عن قصم القرية، وتكسيرها وتهشيمها وهو المظهر الحسي لهلاك الأقوام بهلاك قراهم وأماكنهم التي كانوا بها يعيشون.
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣)
" الفاء " للتفصيل، (أَحَسُّوا بَأْسَنَا) معناها بدت بوادر البأس الشديد والهلاك العتيد، وعلموها بحسهم وقرب نزوله (إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ) " إذا " للمفاجأة أي أنهم فاجأوا من حولهم بركضهم، والركض هو السرعة، وهو مأخوذ من ضرب الدابة برجلها، وقد شبهوا في سرعة سيرهم وضربهم في الأرض بضرب، الدابة في الأرض، وذلك تصوير لفزعهم وهربهم مسرعين لَا يلوون، وقوله تعالى:
(لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ... (١٣)
أي لَا تفزعوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه، والإتراف هو الانغماس في النعيم، وأن يكونوا فاكهين فيه ناعمين، وإن ذلك يؤدي إلى بَطْرِ النعمة وغمط الناس والاستكبار، ولكن من القائل لهم ذالك؟ قيل: الملائكة بأمر من الله تعالى، وعندي أنها حال اعترتهم في نزعهم الأكبر، فكان


الصفحة التالية
Icon