السعود، إنهم عند الله تعالى بمنزلة المقربين من الملوك، ولله تعالى المثل، الأعلى، وهو تقريب ليدركوا معاني القرآن. وقال تعالى في أوصاف الملائكة وأعمالهم:
(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)
التسبيح: التقديس والتنزيه، فهم مستمرون في تقديسهم وتسبيحهم (لا يَفْتُرونَ) أي لَا يسكنون، والليل والنهار طرفان للتسبيح، ومعنى ذكر الليل والنهار أنهم لَا يسكنون في ليل أو نهار، فهم دائمو التسبيح والتنزيه وعبادته وحده، وقوله تعالى: (لَا يَفْتُرُونَ) تأكيد لدوام التسبيح واستمراره، والفتور السكون. وقد جاء في مفردات الراغب في هذه الكلمة (لا يَفْتُرُونَ) أي لَا يسكنون عن نشاطهم في العبادة، وروي عن النبي - ﷺ - أنه قال: " لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا وإلا فقد هلك " (١) والشِّرَّة: غفوة الباطل وإن الملائكة لَا تعتريهم شرة، ولا تعتريهم فترة، فهم عباد الله تعالى المطهرون.
وقد أشار سبحانه إلى ما وصفوا الله - سبحانه - به من أن له شركاء، فقال عز من قائل:
_________
(١) أخرجه أحمد في مسنده (٣٩٦٩)، وابن حبان في صحيحه (١١) - ١/ ٧، وابن خزيمة في صحيحه (٢١٠٣) ٣/ ٢٩٣. " الشِّرّة " بكسر الشين، وتشديد الراء بعدها تاء تأنيت: هي النشاط والهمَّة. كما في الترغيب والترهيب للمنذري (٩٠) ١/ ٤٦. " ولكل شرة فترة " أي وهنا وضعفا وسكونا، يعني أن العابد يبالغ في العبادة أولا وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين، وقال القاضي: المعنى أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط (الشرة) والتفريط (الفترة). فيض القدير ١/ ٥٩٢.
(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١)
" أم " هي المنقطعة وهي تتضمن الإضراب الانتقالي، فانتقل النص القرآني بهم من إنكارهم الرسل وإنكارهم الآيات، وكل هذه أمور باطلة ولكنها سلبية في ذاتها تعدت إلى أمر إيجابي منهم، وهو باطل كالأمور السلبية على سواء، بل أشد وأعنف، وهو الباعث على إنكار ما أنكروا معه الرسل والآيات، والمعنى اللفظي


الصفحة التالية
Icon