للنص السامي، بل اتخذوا آلهة من الأرض، وكان الله يواجههم بإفكهم وافترائهم في عبادتهم، والاستفهام إنكاري منصب على ثلاثة أمور:
أولها - اتخاذ آلهة غير الله تعالى، فهو في ذاته ظلم مستنكر وبهتان عظيم.
والثاني - أنها آلهة من الأرض، وفي ذكر الأرض مقابلة بين هذه الآلهة المزعومة والعباد عند الله الذين لَا يستكبرون عن عبادته، ويسبحون ليلا ونهارا لا يفترون، والأرض التي اتخذت منها آلهتهم دون من عند الله فكيف يعبدونها، وفي ذكر الأرض استنكار آخر، وهو أن هذه الآلهة المزعومة من حجر من الأرض أو من جماد منها، لَا يعقلون ولا يفكرون فكيف تكون آلهة، ومهما يكن فإن ما يكون متخذا من الأرض دون ما عند الله، ومن عند الله يعبدونه.
والأمر الثالث - أنكر عليهم أيضا بالاستفهام، وهو استفهام جديد وأحسب أنه لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع، فهم لم يقولوه، وهو في قوله تعالى: (هُمْ يُنشِرُونَ) أن يحيون الموتى، وأصل نشر من نشر الثوب، ونشر الله تعالى الموتى فيه كشف لهم، وإخراج لهم من قبورهم أحياء، ولا شك أنهم لَا يقولون بالنشر والبعث، فهم يحسبون أنه لَا يكون قط، ولكن النص أثبت عجز من زعموهم أهة عنه، والله تعالى الذي يشركون به هذه الأحجار قادر على ذلك وعلى كل شيء، كما قال تعالى: (... كَمَا بَدَأَكُمْ تَعودُونَ)، وفي هذا توبيخ على عدم إيمانهم بالبعث مع ادعاء الألوهية لمن لَا يصلح أن يكون إلها لأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا يجلب نفعا أو يرفع ضررا.
وقد بين سبحانه بعد ذلك استحالة الشرك بالدليل الفعلي الذي لَا يزال حجية التوحيد فقال عز من قائل:
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)
(لَوْ) كما قلنا حرف امتناع لامتناع، أي امتنع الفساد في الكون لامتناع أن يكون فيهما غير الله، فهو يسير في نظام لَا يتخلف، فالنجوم في مساراتها، والشمس والقمر يجريان بحسبان، والليل والنهار يتعاقبان من غير تخلف.