وكما قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا)، فهم في شفاعتهم لَا يسبق قولهم قول ربهم إنما قول الله تعالى
هو السابق، وهو الذي يأذن لهم بالقول شفاعة أو غيرها.
وقد ذكر سبحانه وتعالى وصفا ثالثا، وهو حال دائمة مستمرة لهم فقال: (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الخشية الخوف مع التعظيم والضراعة والاستسلام لله عز وجل؛ ولذا اختصت بالذين يعلمون عظمة الله تعالى وجلاله، فقال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، الذين علموا الله تعالى وعرفوه حق معرفته.
والإشفاق: الخوف مع توقع ما يخافونه، فهو خوف مع عناية بما يجيء به الزمن، وإن ذلك الإشفاق يكون من كمال العلم بالله واستشعار عظمته، وامتلاء النفس بمهابته، وذلك شأن من كانوا خاضعين، وليس شأن من زعموهم آلهة مع الله مناظرين، وإن هذه حال من قربوا من الله فهم أدرك لعظمته، وأكثرهم علما بقدرته، وحكمته وكماله.
وإن هذا التعبير الكريم يدل على دوام هذه الحال؛ لأن الجملة حالية أولا، ولأن الجملة اسمية تدل على الاستمرار ومؤكدة بالضمير، والله سبحانه أعلم بحالهم، فهم المقربون.
ولكنهم مع قربهم من الله تعالى، وأنهم المكرمون، لو انحرفوا عن الطريق لنالهم جزاء الضالين المضلين؛ ولذا قال تعالى:
(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)
إن هؤلاء عباد خلقهم الله تعالى للطاعة والتسبيح لَا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم مجردون من الشهوات التي تضل وتهوِي بصاحبها إلى مكان سحيق من المعصية ولتجردهم من الأهواء المردية والمطاولات التي تقع بين أهل الدنيا الذين تسيطر عليهم أحيانا أهواء إبليس عدو آدم - لَا يقع منهم ما يخالف إرادته، ومع ذلك لو وقع منهم ما يعاند إرادة الله يكون جزاؤهم جزاء العصاة، فلا