هذا كلام موصول لبطلان الشركاء لله تعالى ببيان إبداعه في خلقه، سواء أكان أولئك الشركاء المزعومون أحجارا أم تماثيلَ أم أوثانا، أم ادَّعوا أن الله بديع السماوات والأرض اتخذهم أبناء، وذلك البطلان ببيان عظمة خلقه.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَروا أَن السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا) (الواو) عاطفة، وتقدمها الاستفهام، وتقدير القول: وألم ير الذين كفروا، والاستفهام له الصدارة دائما، والاستفهام لإنكار الوقوع أي أنهم لم يروا وكان حقهم أن يروا، والرؤية ليست رؤية البصر، ولكن رؤية العلم والبصر والإدراك، لأن أحدا لَا يرى السماوات والأرض رتقا، والرتق: الضم والالتحام خلقة كان أو صنيعة، وقد قال الأصفهاني في مفرداته: كانتا رتقا أي منضمتين، والمتتبع لآيات القرآن في بيان خلق السماوات يرى أن النصوص تتضافر على أنهما كانتا شيئا واحدا كان كالدخان، أو هو ما يعبر عنه علماء الكون بالسديم، لأنه مثل الدخان، وقد ذكرت شيئا مثل ذلك في تفسير ستة الأيام التي جاءت في عدة سور، وقلنا إنها ستة أدوار، وليست ستة أيام زمنية، لأن الأيام مقدرة بالليل والنهار وهما كانا بعد خلق السماوات والكواكب والنجوم والشمس والقمر، واقرأ قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢).
فإن هذه الآيات تشير إلى أن السماوات والأرض كانتا شيئا واحدا، وكانت السماء ومعها الأرض دخانا، وهو ليس الدخان الذي نعرفه؛ لأن الدخان الذي نعرفه هو الناتج من اشتعال نار من حطب أو نحوه من أي حطام، وما كان ذلك قبل السماء والأرض، فإذا قلنا إنه الذي سماه علماء الكون السديم، لَا نكون مباعدين، بل نكون مقربين غير مدعين على القرآن ما ليس فيه، وتكون الأرض قد


الصفحة التالية
Icon