وكما قال تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً)، وقوله تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَل) نظيره ومؤداه (... وَكانَ الإِنسَانُ عَجولاً)، وهذا التعبير فيه تأكيد في عجلته، وكأنَّه يكون من عجلة، وهذا كناية عن استعجاله للأمور، وفيه مجاز بتشبيه في عجلته وكونها طبعا له غير منفصل عن ذاته بأنه خلق منها طبعا له لَا تنفصل عنه، وهم يستعجلون دائما ما أوعد من عذاب، كما قال: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ...)، فهم يستعجلون العذاب كأنهم يتحدون الله، والله أمهلهم لحكمة يعلمها، وكل شيء عنده بمقدار، وإذا كانوا يتحدون مستعجلين فالله تعالى ينذرهم ويخبرهم بأنه آتيهم لَا ريب فيه، ويقول سبحانه: (سَأُرِيكمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) الآيات هي آيات القدرة والقهر بالنذر التي تومئ، بغلبة محمد - ﷺ - ومن آمن به، وبالريح العاصف التي غَلَب بها محمد - ﷺ - في غزوة بدر، هذه آيات بينات على ما ينزل بالكافرين لكفرهم ونصرة الحق عليهم، و " السين " هنا لتأكيد الفعل في المستقبل، وإسناد الفعل إلى الله تعالى فيه تأكيد الوقوع، ورؤيتهم لهذه الآيات هي رؤية معاينة لَا رؤية علم ونظر فقط (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) أي لَا تطلبون العجلة من أمر هو واقع فيكم لَا محالة، واستأنوا فإن ما تطلبون نازل.
وذكر سبحانه من استعجالهم قوله:
(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)
أي يقولون مستعجلين وعد الله تعالى بالهلاك إن استمروا على كفرهم، ووعد الله المؤمنين بالغلب والقدرة، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشرك هي السفلى، يقولون ذلك إنكارا وتحديا وإعناتا؛ لأنهم مأسورون بالحاضر لا يدركون شيئا وراءه، فهم لَا يتصورون أن يكون هؤلاء الضعاف الذين يستذلونهم ويفرضون عليهم الذل ويؤذونهم سيكون لهم الغلب يوما من الأيام، لَا يتصورون أن يجلس عبد الله بن مسعود فوق أبي جهل ويحز رقبته، وأن يقتل بلال من كان سيدا له في مكة، وهو من سادات قريش، لَا يتصورون ويستبعدون أيضا عذاب