كثيرون لهم مكانتهم عند الله وفي أقوامهم، والحق يسخر منه أهل الباطل خصوصا إذا كان واضحا نيرا، والباطل حجته داحضة، ويشعرون بأنها ليست حجة، ومع ذلك يستمسكون بها اتباعا لأوهامهم، ولآبائهم وخضوعا لعادات وتقاليد فاسدة.
وإنهم محاسبون على استهزائهم، لقد حسبوه لغوا من الأقوال والأفعال، وهو عند الله عظيم؛ لأنه كفر وعناد وخسة، ولذلك كان له عقابه في الدنيا والآخرة، وقال تعالى: (فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِروا مِنْهُم مَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءونَ).
" الفاء " تدل على أن ما بعدها مسبَّب لما قبلها، وقد صرح بهذه السببية، فخص سبحانه وتعالى نزول العذاب أو العقاب بالذين سخروا منهم، فذكر الموصول دليل على أن الصلة سبب الحكم، وكان الإظهار في مقام الإضمار، لبيان هذه السببية، و (حاق) معناها نزل بهم وأصابهم، وقد خص الساخرين بعقاب خاص لأنهم في معارضتهم بهذا النوع من المعارضة كانوا أخساء في ذات أنفسهم، فمن ذا الذي يجعل أبا جهل في معارضته للإيمان كأبي سفيان، فالأول خسيس والثاني فيه شرف، ولقد قال وهرقل يسأله عن محمد بن عبد الله: لولا أني أخشى أن تحفظ عني كذبة في العرب لكذبت.
وقال تعالى: (فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِروا مِنْهُم مَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) والمراد عذاب الاستهزاء لَا ذات الاستهزاء، ولكنه سبحانه عبر بأن الاستهزاء ذاته هو الذي يحيق للإشارة إلى الجزاء وفاق للجريمة فهو هي؛ لبيان المساواة العادلة، و (مَا) في قوله (مَا كانُوأ يَسْتَهْزِءونَ) مصدرية، أي استهزاءهم.
والجزاء الذي ينزل بهم هلاك في الدنيا، وقد جاء قصص القرآن بهلاكهم في آيات كثيرة، وعذاب أليم في الآخرة.
وإن الله تعالى يذكرهم بنعمة الله تعالى في حياتهم الخاصة والعامة التي تحوطهم، ولا يشعرون بها، بل يكفرونها.
(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢)