أولهما - أن الله تعالى في ذكر نعمة الكلاءة من عذاب الرحمن، وقد ذكر الليل قبل النهار؛ لأن المفاجآت بالعذاب تكون فيه أكثر، ووقعها أشد، ولأن الليل حيث يكون الاطمئنان فالمباغتة تكون فيه أشد.
ثانيهما - أن الاستفهام هنا للتذكير والتنبيه، إلى ما هم فيه من نعم واقية، وإيجابية، والله تعالى أعلم.
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقيهم من العذاب الذي يستحقونه لَا آلهتهم؛ ولذا قال:
(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣)
(أَمْ) هي أم المنقطعة، وهي تدل على الإضراب، وهمزتها للاستفهام، والمعنى بل ألهم آلهة.. والإضراب انتقالي من لوم إلى لوم، لامهم سبحانه على إنكارهم كلاءة الله تعالى لهم، ثم أنكر عليهم اتخاذهم آلهة يحسبون أنها تمنعهم من عذاب أو مما ينزل بالليل والنهار، والاستفهام المستفاد بـ " أم " بمعنى " بل " لهم آلهة، استفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع، وإنكار الواقع تانيب ولوم، فقوله: (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُوننَا) إنكار لما يعتقدون من أن آلهتهم تمنعهم دون أن يمنعهم الله، ففوله: (مِّن دُوننَا) معناها غيرنا، ووصف الآلهة التي زعموها بوصف، ووصفهم بوصف، أما وصف آلهتهم فبفوله تعالى: (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ) أي أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا نصرا فكيف ينصرون غيرهم، وهم لَا يملكون لأنفسهم شيئا.
وكان الضمير على الأوثان ضمير العقلاء مجاراة لهم في عبادتهم، وليس اعترافا بأنها تعقل. الوصف الثاني، وصف المشركين، وهو قوله تعالى: (وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ) أي يجارون، وهذا تفسير ابن عباس الذي رواه عنه مجاهد، واختارَه الطبري، ونحن نوافقه في هذا الاختيار، والمعنى على هذا لَا تنصرهم أوثانهم، والله لَا يصحبهم بجوار يمنعهم لأنهم مشركون، ولا جوار من الله لمن يشرك به ولا يعبده وحده.
ولقد أشار سبحانه إلى السبب في إصرارهم على الشرك، ومعاندتهم لدعوة التوحيد، فقال عز من قائل:


الصفحة التالية
Icon