(قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (٤٥)
الخطاب للنبي - ﷺ - يأمره سبحانه بأن يقول لهم (إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْي)، (إِنَّمَا) أداة للقصر، والمعنى لَا أنذركم إلا بوحي من الله تعالى، فلا أنذركم من عندي، إنما أنذركم من عند الله تعالى، وإن ذلك يوجب عليكم ألا تستهزئوا بالإنذار، لأنكم لَا تستهزئون بي إنما تستهزئون بالله العلي العظيم الذي تلجأون إليه في شدائدكم في البر والبحر، وفي ذلك توكيد للإنذار؛ لأنه صادر عن الله تعالى، والله لَا يخلف الميعاد.
ثم بين سبحانه وتعالى إذ لَا يسمعون النذر يكونون كالصم إذا ما ينذرون، فشبه الله تعالى المشركين عند سماع النذر بالصم؛ لأن كلاهما لَا يسمع، فالصم في الآية هم المشركون، وهم لَا يسمعون إذا أنذروا، والصم جمع أصم والمراد بهم المشركون بالله، والمعنى لَا يسمع المشركون الذين شبهوا بالصم لعدم السماع في كل ما ينذرون و (مَا) لتأكيد الشرطية في الشرط.
والدعاء: النداء بصوت عال قوي مرتفع صادع، والمشركون لَا تجدي فيهم النذر، وهي من عند الله تعالى العلي القدير، الحكيم العليم.
ومع أنهم يصمون آذانهم عن النذر هم في أشد الهلع والفزع إذا عاينوا العذاب، أو جاءتهم منه نفحة، ولذا قال تعالى:
(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٤٦)
اللام الموطئة للقسم، والنفحة الريح الطيبة، وتستعمل للخير، وقد تستعمل للشر كما هنا بدليل قوله تعالى: (نَفْحَةٌ منْ عَذَابِ رَبِّكَ)، والمعنى أنهم صم عند النذر، ما دامت قولا منذرا، ولو كان وحيا من الله تعالى، فإذا رأوا الفعل، ولو كان نفحة من ريح فيها عذاب اضطربوا وهلعوا وفزعوا، فلا يؤمنون بالنذر حتى يروا العذاب الأليم، و (مَّسَّتْهُمْ) معناها أصابتهم إصابة حقيقية (مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ)


الصفحة التالية
Icon