أدركوا هول العذاب وكان إدراك معنى الإنذار، وأجابوا كما قال الله تعالى (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) أي أنهم إذا أصابتهم نفحة قليلة من العذاب يفزعون، وينادون بالويل والعذاب والهلاك يقولون يا ويلنا أقبل فهذا وقتك، ويدركون ظلمهم، ويؤكدونه فيقولون: (إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، فقد أكدوا ظلمهم بثلاثة مؤكدات: بوصفهم بالظلم أولا، وبـ " إن! " المؤكدة ثانيا، وبـ " كان " الدالة على ظلمهم المستمر ثالثا، ولقد قال الزمخشري في معنى هذه الآية: " ولئن مستهم في هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لأذعنوا وذلوا وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصافُوا وأعرضوا، وفى المس والنفحة ثلاث مبالغات، لأن النفحة في معنى القلة والنزارة، يقال نفحته الدابة وهو رمح يسير، ونفحه بعطية؛ رضخه، ولبناء المرة " (١).
ونقول إن المس إصابة غير غامرة، بل هو لمسة.
وظلمهم هو ظلم لأنفسهم، وبشركهم، وبفسادهم، وبإعناتهم للرسل وصدهم عن سبيل الله تعالى، وإن ذكر هذه النفحة من العذاب تمهيد لذكر القيامة، وما يكون فيه من عذاب الجحيم؛ ولذا قال تعالى:
________
(١) تفسير الكشاف: ٢/ ٥٧٤.
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)
هذا بيان لحساب يوم القيامة، وأنه لَا يذهب منه صغيرة ولا كبيرة إلا كانت موضع حساب، وستجزى كل نفس ما كسبت إن صغيرا وإن كبيرا، وإن خيرا، وإن شرا.
وقوله تعالى: (لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ " اللام " هنا بمعنى " في "، كقول القائل فعلته لخمس خلون من ذي الحجة، أو جاهدت لعشر خلون من رمضان، وبعضهم قدر


الصفحة التالية
Icon