قال تعالى:
(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (٥١)
أكد سبحانه وتعالى ما آتاه لإبراهيم، بـ " اللام " و " قد "، والرشد هو العلم والإدراك والنفاذ إلى الحقائق كما رأينا تعرفه لله تعالى في وسط الجهالة التي كانت غمامة على العقول منعتها من الإدراك السليم، وكيف تعرَّف في نجم فرآه قد أفل، ثم في القمر فرآه أيضا أفل، ثم رأى الشمس بازغة، فقال هذا حتى انتهى إلى الوحدانية.
هذا كله رشد وإدراك سليم انتهى إلى الإدراك الكامل لمعنى الألوهية المنزهة عن المشابهة للحوادث في أفولها وظهورها، وفي فنائها وبقائها.
وقوله: (مِن قَبْلُ) أي من قبل موسى عليه السلام، وهو أسبق منه، وكان تقديمه لما ذكرنا من أنه جاء بشريعة مفصلة وإن نسخ بعضها وبقي الآخر، وقوله تعالى: (وَكنَّا بِهِ عَالِمِينَ) أي عالمين كيف ربيناه، وكيف صنع على أعيننا، وربينا فيه روح الحق وتتبعه والوصول إليه.
وبعد أن بعثه الله تعالى تقدم لمجاهدة أبيه وقومه المشركين، ابتدأت المجاهدة بقوله:
(إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢)
" إذ " هنا للوقت الماضي، وهي مفعول لفعل محذوف تقديره " اذكر "، والخطاب لمحمد - ﷺ - والمعنى اذكر لقومك من مشركي العرب الذين يفخرون به نسبا، ويدعون اتباعه كيف جاهد قومه في هذا الشرك، وذكر أباه لأنه داع للحق، وداعي الحق لَا يفرق في دعوته بين قريب وغيره، بل يبتدئ بالقريب لأنه أقرب إجابة، ولأن الدعوة إلى الحق خير، فأولى به الداني، وإبراهيم كان أبوه دانيا إلى قلبه وذكر بعد أبيه قومه، ومما قاله لهم هو: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) التماثيل جمع تمثال، وهو الصورة المجسمة للإنسان أو للحيوان، وأكثر ما يكون الآلهة لصورة إنسان، وكانت التماثيل عند اليونان والرومان وكانوا يعبدونها أو