جعل كأن الكيد لها، وهو للعابدين، والتاء للقسم وكان القسم بالتاء لأنه مظهر أشد توثيقا، واللام لام القسم، وروي أن ذلك كان وهم ذاهبون لعيد لهم، روى ذلك ابن مسعود، وقلنا إن ذكر الأصنام وإرادة العابدين لها للإشارة كما ذكرنا إلى أنها لا تدفع عن نفسها، ولا قدرة لها، ومن يعبدونها، إنما يعبدون غير قادر لَا يملك من أمره شيئا، فكيف يملك لغيره أي شيء، والله على كل شيء قدير.
(فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)
" الفاء " مبينة نوع الكيد، والجذاذ: الفتات، من جذ بمعنى كسر، والجذاذ بالضم أفصح من الكسر، أي أخذ الفأس وأخذ يضرب، كما قال تعالى: (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)، جعلهم إبراهيم عليه السلام فتاتا متكسرا، أي أزال هذه الصور وجعلها شيئا مطروحا تطؤه الأقدام (إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ)، أي كبيرا لهذه الأصنام (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) لعل الأصنام ترجع إليه، أو لعل الناس يرجعون إليه يسألونه عن بقية الحجارة التي صارت فتاتا متكسرا فما مآلها، وماذا أصابها، ويلاحظ أن الضمير كان يعاد دائما بضمير الجمع العاقل مجاراة لزعمهم الفاسد، وعندما عادوا ورأوا آلهتهم فتاتا متكسرا هالهم الأمر، وقوله: (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) تعبير للتهكم عليهم والسخرية بآلهتهم.
(قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩)
جزعوا وأحسوا بضعف آلهتهم وضعف عبادتهم لها، وأخذوا يسألون مستفهمين متعجبين هلعين (مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا) متحسرين على ما أصاب هذه التماثيل من الحطم والتفتيت وجعلها فتاتا متكسرا، وقالوا: (إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أكدوا ظلمه بـ إن وباللام، وبوصفه بأنه ظالم مؤكد ظلمه، معدود في عداد الظالمين متربٍ في بيتهم راضع من لبان الظلم متربٍ فيه.