فـ " المريد " على هذا التفسير المتجرد من الخيرات، العاري عن كل فضيلة، ومن سيطر عليه شيطان مريد أفسد نفسه، وأرسله إلى جهنم؛ ولذا قال سبحانه عز من قائل:
(كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)
الضمير في (عَلَيْهِ) يعود إلى الشخص الذي يجادل بغير علم؛ لأنه هو المتحدث عنه؛ ولأن الكتابة التي يقدرها اللَّه تعالى تكون على المكلفين، فالأنسب عود الضمير إلى المجادل بغير علم، ويكون معنى (تَولَّاهُ) جعل الولاية له على نفسه، واتبعه فيما يوسوس به شيطان الإنس من دعوة إلى الباطل والفجور، وفيما يوسوس شيطان الجن من إغراء بالشهوات والأمنيات الباطلة، أي فمن يجعله له وليا، ويتبعه، ويحسبه نصيرا له، (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ)، أي يوقعه في الضلالة، (وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)، أي يسلك معه الطريق إلى عذاب السعير، أي إلى جهنم وبئس المهاد.
ويجوز أن تجعل الضمير في (عَلَيهِ) يعود إلى الشيطان المريد، وكذلك الضمير في (تَوَلَّاهُ) يعود إليه، ويكون أن من يتولاه الشيطان ويسيطر عليه ويجعله تابعا له يضله، ويوصله إلى عذاب السعير، وفى الحالين التعبير بقوله تعالى: (وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)، فيه تهكم، ومؤداه أن الرسل يهدون إلى الجنة، أما الذين يتبعون الشياطين، فإن إغراءهم يوصلهم إلى النار، وتلك هدايتهم إن صح أن تسمى هداية.
* * *
القدرة على الابتداء تدل على البعث
قال اللَّه تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ