بوضعه بمشيئة اللَّه تعالى وإرادته، لَا بما يسمونه بالتفاعل من غير إرادة الفاعل المختار الوهاب، وإن وضعها إلى أجل مسمى هو مدة الحمل التي لَا يقدرها إلا اللَّه تعالى.
(ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا)، أي يخرج كل واحد منكم طفلا لَا يقوى على الحياة وحده؛ لأنه يكون ضعيفا كما قال اللَّه تعالى: (... وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)، وأطول مدة لحاجة المولود إلى أبويه من الحيوان هو الإنسان، وفيها يحتاج إلى الرضاعة والحضانة، حتى يستوي شابا يبلغ أشده، وتكمل قواه، هذا قوله تعالى: (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكمْ)، ثم عاطفة لتبلغوا أشدكم على فعل محذوف، هو في معنى جزء العلة، وتقديره مأخوذ من الكلام السابق، والمعنى يخرجكم طفلا لتتربوا وتكبروا شيئا فشيئا وتكَلأُون برعاية آبائكم وأمهاتكم، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)، وكان العطف بـ " ثم "؛ لأن مدة الطفولة، تطول ولا تقصر، فالتراخي ثابت بالزمان، وبالبعد بين الطفولة والرجولة و " أشُدّ " يقول البيضاوي إنها جمع شدة، كأنْعُم جمع نِعمة، والشدة هنا القوة المستمكَنة التي تعتمد على ذاتها ويكون لها كيان مستقل عن أبويه، ومنكم من يتوفاه اللَّه تعالى في قوته وشبابه أو كهولته حتف أنفه أو قتلا في جهاد أو اعتداء: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) ولم يقل سبحانه وتعالى يبلغ أرذل العمر؛ لأن بلوغ أرذل العمر ليس بلوغ غاية تُتَغيَّا وصالحة في ذاتها، وعبر بقوله: (يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)؛ لأنه رجعة إلى الوراء، وعودة إلى الضعف في جسمه فَيَهِن العظم، ويتقوَّس الظهر، ويضعف العقل، ويضل الفكر، وينسى بعد أن كان يعلم؛ ولذا قال (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)، أي أن ما علمه ينساه، فما كان من علم يذهب وما كان عنده من تدبير وقدرة على العمل، ووزن للأمور، وسماه تعالى: (أَرْذَلِ الْعُمُرِ)، أي العمر المرذول الذي يكون عبئا على صاحبه.
وقد ذكر سبحانه بعد هذا الدليل الملزم المبين قدرة اللَّه تعالى ذكر دليلا آخر، وهو في المطر والنبات كما كان الأول في الإنسان، وإذا كان في الأول نعمة الإيجاد، ففي الثاني نعمة الإرث.