هذا هو الدليل الثاني، وهو محسوس في أنه أحيا الأرض بعد موتها، وأنبت فيها ما فيه قوت الأحياء، وفيها من المناظر، وقد حول اللَّه تعالى بهذا الماء، نباتا فيه غذاء الإنسان والحيوان، أفلا يستطيع إعادة الحياة إلى الإنسان كما بدأ.
بعد ذلك أخذ اللَّه سبحانه النتيجة من هذين الدليلين اللذين ينبهان العقول التي تدرك، وتلهمهم بالدليل المزيل لريبهم، إن كانوا يرتابون، ويفحمهم بالدليل القاطع إن كانوا ينكرون.
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)
(ذَلِكَ) الإشارة إلى تحويل كون الإنسان من تراب إلى نطفة، ثم إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم قراره في الرحم حتى يستكمل نموه في الدور الأول في بطن أمه، ثم يخرج طفلا في الوجود، ثم يبلغ أشده، وإنزال الماء والنبات، كل ذلك بسبب أن اللَّه هو الحق، فـ " الباء " للسببية (الْحَقُّ)، أي الثابت في ذاته المطلق في الوجود كله، فهو الموجود واجب الوجود، وكل موجود يستمد وجوده منه، وهو يخلق سبحانه وتعالى الأشياء ابتداء ويخلق بعضها من بعضها، فلا غرابة أن يخلق من الرميم حيا، ولو كانت في تكوين حجارة أو حديد، أو ما هو أقوى صلابة من هذين، (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى)؛ لأنه خلقها ابتداء فإعادتها أسهل عليه، كما قال تعالى: (... كمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، ثم ذكر سبحانه وتعالى قدرته عز وجل بـ " أنَّ " المؤكدة، وذكر لفظ الجلالة الذي يشتمل على الوصف كماله، والتنزيه من كل نقص، وأكده بتقديم الجار والمجرور (عَلَى كل شَيْءٍ) على (قَدِير)؛ لأن ذلك يدل على عظيم اهتمامه بخلقه.
وقد قدر سبحانه ما هو قاطع، وهو لب الإيمان، فقال عز من قائل:
(وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)
الواو عاطفة على (بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، وهي تتضمن القصر، أي اللَّه وحده هو الحق، ولا حق غيره سبحانه، فعطف على ذلك (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ