إسرائيل، ومقام الشريعة التي جاء بها محمد - ﷺ - من الشرائع السابقة، وخصوصا شريعة التوراة بعد أن حرف الكلم عن مواضعه، وقد قال تعالى:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ).
المجادلة في اللَّه تعالى هي المجادلة في ذاته وصفاته وقدرته وعلمه ووحدانيته، وكل مجادلة حول شركاء له مجادلة في ذات اللَّه، وقوله تعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ)، أي بغير علم يثبت بالضرورة، منكرًا كل أمر تهدي إليه الفطرة، ومتجاهلا الحقائق الثابتة بأن يتجاهل أن الأوثان لَا تضر ولا تنفع، ومنكر البدهيات، فمعنى (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بجهالة، (وَلا هُدًى)، ولا دليل يهدي إلى الحق ويبينه، ويسدد المدارك إلى الحق، (وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)، أي ولا كتاب منقول غير الحق، ويوضح السبيل إليه، ومعنى ذلك أنهم حائرون بائرون، لَا يأخذون بعلم ضروري، ولا بعلم يأتي بالنظر والبرهان، ولا بمنقول من كتاب منزل منير، ويهدي إلى سواء السبيل.
والآية السابقة، (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ) مع هذه الآية ليستا واردتين على مورد واحد، فالآية السابقة واردة على الذين يتبعون كل شيطان متمرد من شياطين الإنس ويقلدونه ويسيرون وراءه سير التابع وراء المتبوع، وهذه الآية التي نتكلم في معانيها السامية واردة في الذين يقولون مستقلين غير تابعين لمارد ولا ذي سلطان، ولكنهم لَا يتبعون علما ضروريا، ولا علما نظريا، ولا علما منقولا عن معصوم ينسب كلامه إلى رب العالمين.
وهذا من شأنه أن يعرض عن الحق، ويضل غيره؛ ولذا قال سبحانه؛
(ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٩)
(العِطْف) هو الجانب، و (ثَانِيَ) اسم فاعل من ثنى يثني، أي لواه مستكبرا أو معرضا، أو هما معًا، أي مع أنه يجادل في اللَّه بغير أي نوع من العلم، بل


الصفحة التالية
Icon