بجهالة جهلاء، مع ذلك يلوى عنقه مستكبرا معرضا، مفاخرا بما هو عليه، كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥)، وكما قال تعالى: (وِإذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا...).
وإنهم بهذا التفاخر بالباطل والكبرياء والاستعلاء يضلون غيرهم لضعفهم، ولذا قال تعالى: (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)، أي ليضل غيره عن طريق الحق، فاستعلاء الباطل يغري باتباعه، وإذلال أهل الحق يغري بتركه إلا من ربط اللَّه تعالى على قلبه.
وقد ذكر اللَّه تعالى عند مغالبة الحق والباطل، فقال عز من قائل: (لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)، يجعل كلمة الحق هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى، كما كان الخزي في بدر، والأحزاب، وغيرهما، وذلك لَا يعفيهم من عذاب الآخرة (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) هو وضعه في جهنم المحرقة نارها، وعبر بـ (نُذِيفهُ)، لأن الإلقاء في الجحيم من غير أن يذوق حريق النار، ويلهب إحساسه بها - لَا يدرك معه حقيقة العذاب، لأن العذاب في ذات الإحساس بالنار.
(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٠)
الإشارة في (ذَلِكَ) للعذاب و " الباء " للسببية، أي بسبب ما قدمت يداك، والمراد بما قدمت أنت، وعبر عن الذات باليد، من قبل التعبير عن الكل باسم الجزء، وهو من المجاز المرسل، إذا كان لذلك مزيد اختصاص فيما يساق له القول كما يعبر عن الجاسوس بالعين، وهنا كذلك عبر عن الذات باليد التي يكون بها الاعتداء بالبطش وسفك الدماء أو الاغتصاب والإيذاء.
و (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، أي يقال له ذلك الذي نزل بك متكافئ مع ما قدمت يداك فما كان اللَّه ظالما، ولكن أنت الظالم، ولذا قال تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ للْعَبِيدِ)، وأن معطوف على (بِمَا