تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ...)، وهؤلاء وأشباههم من ضعاف الإيمان هم الذين قال اللَّه
تعالى فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ)، أي أصابهم أمر يسرهم، وهو خير اطمأنوا وسكنوا، (وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ)، أي شديدة فيها ابتلاء لإيمانه واختبار لنفسه وترف لقوة إيمانه، انقلب على وجهه، أي ارتد بعد إسلام، وكفر بما أعلن الإيمان، وإن كان على طرف، وعبر سبحانه عن ردته بقوله: (انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) وهذا التعبير فيه تشبيه حال المرتد عن دينه بحال من انقلب فوق وجهه فصار رأسه في أسفله، ورجلاه في أعلاه أي تصويره بصورة شوهاء، شاه منظرها، وقبحت حقيقتها.
وإن من يكون كذلك خسر الدنيا بما أصابه من فتنة لم يعتبر بها في دينه، وكانت شرا عليه في دنياه، إذا لم يستفد بها في دينه، وخسر الآخرة، لأنه يموت كافرا، وذلك الأمر الذي آل إليه هو الخسران المبين الواضح.
وقد وصف اللَّه تعالى من تكون هذه حاله بأنه كعبدة الأوثان على سواء.
(يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢)
أي أن هذا الذي انقلب على وجهه وتشاءم بالإسلام يعود مرتدا إلى من لا يضر وما لَا ينفع، فإذا كان لم يعجبه دين اللَّه تعالى وتشاءم إذا أصابته فتنة يختبر بها إيمانه وتسليمه الأمور إلى اللَّه تعالى خالق كل شيء الذي ينفع ويضر، فقد رجا ما لَا يضر وما لَا ينفع، لقد ترك دعاء اللَّه تعالى وحاد إلى دعاء ما لَا يضر وما لَا ينفع، و (دُونِ اللَّهِ) معناها غير اللَّه، (مَا لَا يَضُرُّهُ)، أي الذي لَا يضر، أي ليس سبب فيه التشاؤم الذي بغض إليكم دين الحق لأنكم فتنتم فيه ليختبر مقدار تسليمكم للَّه، وقد زعمتم أنه لَا يضر إيمانكم به، فهو أيضا لَا ينفعكم؛ ولذا كرر اسم الموصول، أي يدعون ما لَا يضر، وهو أيضا ما لَا ينفع، فالإسلام دين اللَّه الذي يضر وينفع أما غيره فدين ما لَا يضر وما لَا ينفع.