وإنكم إذ خرجتم من دينكم، فقد خرجتم من الهدى إلى الضلال؛ ولذا قال عز من قائل: (ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)، أي ذلك الذي كان منكم، وهو أنكم تريدون الأقدار على ما تحبون، وتسير على ما تشتهون هو الضلال البعيد، أي الذي تبتدئون السير فيه حاسبين أنه هداية، وكلما أوغلتم بعدتم عنها بعدا طويلا، وبذلك تمعنون في الضلال والتيه إمعانا.
(يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)
في الآية السابقة ذكر سبحانه أنهم يدعون ما لَا يضرهم، وما لَا ينفعهم، وقلنا: إنه كان لَا يضرهم فهو لَا ينفعهم، وأن الموصوف واحد، ولكن خطر على عقلي بعد كتابة ما تقدم أنهما واردان على موصوفين أولهما لَا يضر، وثانيهما لا ينفع كما يدل تكرار الموصول، وهذا ضلال، ويناسب ما ذكر من بعد أنه الضلال البعيد الموغل في طريق الضلال، والمعنيان بين يدي القارئ يتخير أحدهما، والقرآن حمَّال معان كلها بيِّن لَا إيهام فيه قط.
وفى هذه الآية التي نتكلم في معناها، نجدها تشير إلى أن الذي يدعوه من العقلاء، بدليل التعبير بـ (مَنْ) في قوله: (لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَفْعِهِ)، ويكون الدعوة بمعنى الالتجاء والاستغاثة، أو الموالاة والنصرة، والاعتماد عليه، و (اللام) في قوله تعالى: (لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ)، تفيد التوكيد، سواء أكانت للتعليق أو للابتداء، فتلك تخريجات نحوية لَا تمنع ما تدل عليه من توكيد المعاني و " مَنْ " كما أشرنا تفيد أن من يدعونه من العقلاء، وليس معبودًا من الأوثان والجمادات، وأن الدعوة للنصرة والموالاة، والمعاونة على الباطل، وكان ضره أكبر من نفعه؛ لأن الاعتماد عليه فيه ضرر عقلي ونفسي؛ لأنه يعتمد على غير اللَّه، والاعتماد على غير الله تعالى رقٌّ لهذا المخلوق يحد من الحرية، ويمنع الانطلاق إلى العمل الصالح؛ ولأنه ضعيف مثله، لَا ينتصر له، ولأنه يجره إلى الشر، فيكون التعاون بينهما قائما على الإثم والعدوان، ولأن الاعتماد عليه اعتماد على شفير هارٍ ينهار به في نار جهنم.