الأمر الأول - أنه لَا عبرة في إجابة النبيين إلى اختلاف الملل والنحل، بل الجميع أمام الرسالات الإلهية على سواء، فمن أسرف وظلم كان حسابه عسيرا، ومن آمن واهتدى كان من اللَّه قريبا، وإن اللَّه سيفصل بينهم.
الأمر الثاني - أن اللَّه وحده هو الذي يبين يوم القيامة: الحق فيثيب أهله، والباطل فيعذب الذين تردوا فيه؛ ولذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الفصل بين الأشياء والأشخاص إبانة كل بخيره وشره، والفصل بين الأقوال تبين صادقها من كاذبها، وحقها من باطلها، وكذلك الفصل بين النحل وأصحابها، أي بيان الحق فيها والباطل منها، وجزاء أهل الباطل، وثواب أهل الحق، وإن ذلك الفصل هو الحق؛ لأن الفاصل هو اللَّه تعالى، وهو خير الفاصلين؛ ولأنه العالم بكل شيء وبهم جميعا، ولذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، أي عالم علم من شاهد وعاين، فهو حكم مؤيد بأسبابه، وشاهده الأكبر، وقوله تعالى: (عَلَى كلِّ شَيْء شَهِيدٌ) فيه التعدية بـ " على " إشارة إلى معنى الرقابة عليهم، والإحاطة بهم، وهو بكل شيء محيط؛ لأن كل شيء خاضع له سبحانه.
* * *
خضوع الوجود لإرادته سبحانه
قال اللَّه تعالى:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)
* * *