وتكون النار مشتعلة في الثياب والأجسام معا، و (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ)، وهو الماء الساخن الذي يصل إلى درجة الغليان، فالنار تحرقهم في أجسامهم ورؤوسهم، وتصل إلى داخل أبدانهم، ولذا قال تعالى:
(يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠)
الصهر إذابة الحديد، فقوله تعالى: (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ) من أحشاء من معدة وأمعاء وقلب وكبد وغيرها، يذاب هذا كله، وأي عذاب يكون في هذه الحال، (وَالْجُلُودُ) أيضا تذاب من شدة الحرارة، ولا شك أن ذلك كله تصوير للعذاب الذي ينزل بهم، وإنه لواقع، واللَّه هو الذي ينجي المؤمنين بفضل رحمته، وبمنٍّ منه، وهو الرءوف الرحيم.
وقد وصف سبحانه بقية من عذابهم، فقال:
(وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢)
المقامع جمع مِقمْع، وهو ما يذلل به، ويدفع، وكان خزنة جهنم من الملائكة الأطهار، واقفون كلما هموا أن يخرجوا من النار ردوهم إليها بهذه المقامع التي تزودهم وتدفعهم، وتردهم إليها؛ ولذا قال تعالى:
(كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا... (٢٢)
فارين من جهنم ونيرانها وغمها وآلامها ردوا بالمقامع إليها وأعيدوا فيها، وقالوا لهم: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)، أي عذاب النار التي تحرق أجسامكم في ظاهرها كما شوت أحشاؤكم في باطنها، كما أذقتم المؤمنين العذاب في الدنيا، وقوله: (مِنْ غَمٍّ)، أي بسبب غم العذاب وغم البؤس، وشعورهم بأنه أبدي خالد، هذا جزاء الكافرين المعد لهم الذي يرتقبهم، وهو جزاء الخصم الأول، أما الخصم الثاني وهو المؤمن فجزاؤه روح وريحان وجنة النعيم؛ ولذا قال عز من قائل:
(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٢٣)