الأمر الأول - في قوله (فِيهِ) الضمير يعود إلى المسجد الحرام أي يريد خروجا عن مبادئ الحق والإيمان متلبسا بإلحاد، و (مَن) شرطية، وجواب الشرط (نُذِقْهُ) إلى آخره، و " الباء " للملابسة أو الملاصقة أو تقوية التعدية، والإلحاد الميل عن الحق والانحراف إلى الباطل، يقال ألحد إلى كذا: مال إليه، ويقول الأصفهاني في مفرداته: الإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك باللَّه وإلحاد إلى الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني يوهن عُراه ولا يبطله، ومن هذا النحو قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
ونرى أن الإلحاد هنا من النوع الذي يبطل الإيمان، فهو ميل وانحراف إلى عبادة غير اللَّه تعالى، وقد فعل ذلك المشركون في المسجد الحرام، فقد كانت الأوثان مادة ذلك الإلحاد في البيت وموضوعة على الكعبة نفسها.
الأمر الثاني - أن قوله تعالى: (بِظُلْمٍ)، بيان لنوع الإلحاد، وهو الظلم، والشرك أفظع الظلم وأشده، ولقد قال تعالى: (... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وإن اللفظ المطلق إذا لم يقيد انصرف إلى أكمل أفراده، فهو هنا انصرف إلى الشرك وكان من المشركين مع الشرك الذي هو أشد الظلم ظلمات أخرى فكان فيهم ظلم الضعفاء وإيذاؤهم، وكان فيهم ظلم الاعتداء المتكرر منهم على المؤمنين، وكان فيهم ظلم الاستهزاء بالنبي - ﷺ -، وكان فيهم ظلم الغدر والخيانة ونكث العهود، وكانوا لَا يرقبون في المؤمنين إِلًّا وَلَا ذِمَّةً.
الأمر الثالث - في قوله تعالى: (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، (مِنْ) هنا بيانية أو ابتدائية، أي نذقه عذابا أليما، أو نذقه ذوقا مرا مأخوذا من عذاب أليم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *