الوجه الخامس: أمّا اتهام الخظ بعدم الدقّة، فهذا البهتان بعينه، وردُّنا عليه على النَّحو إلآتي:
أ - إنّ رسم المصحف يدلُّ على دراية الكَتَبة ومعرفتهم، فهو غاية في الإتقان. قال نظام الذين النيسابوريّ: "واتّباع المصحف في هجائه واجب، ومَنْ طعن في شيءٍ من هجائه، فهو كالطَّاعن في تلاوته؛ لأنه بالهجاء يُتلى.
فما كَتَب - زيد بن ثابت - شيئاً من ذلك إلَّا لعلَّةٍ لطيفة، وحِكْمة بليغة؛ وإنْ قَصُر عنها رأينا".
ب - القرآن معجز في مَبْناه ومعناه، فَرُوعِيَ في كتابته ورسمه بهجاء يحمل المعاني المتعدّدة، والأغراض البلاغية، ويحفظ وجوه القراءات؛ إذ رسمه لا ينفك عن قراءاته.
قال المهدويّ: "لمّا كانت المصاحف التي هي الأئمّة؛ إذ قد اجتمعت عليها الأُمّة، تلزم موافقتها، ولا تسوغ مخالفتها - وكان كثير من الخطّ المُثْبَت فيها، يخرج عن المعهود عند الناس، مع حاجتهم إلى معرفته، لتُكْتب المصاحف على رَسْمه، وتجري في الوقف على كثيرٍ منه، لكلّ قارئٍ من القرّاء على مذهبه وحكمه - كانت الحاجة إليه كالحاجة إلى سائر علوم القرآن، بل أهمّ، ووجوب تعليمه أشمل وأعمّ؛ إذ لا يصحُّ معرفة بعض ما اختلف القرّاء فيه