وقد مدح الله الناهين عن المنكر بقوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ... ) (التوبة: ٧١)
وذمَّ الله من لا ينهى عن المنكر بقوله (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)) (المائدة)
- (وَالْمُنْكَر) قيل: إن الاستنكار مراتب، منها: مرتبة الحرام، ومنها: مرتبة المكروه فإنه منهيّ عنه.
وهذا القول فيه نظر؛ وإن كان المنكر من الناحية اللغوية يحتمل هذا القول، لأن الإنكار هو عدم القبول، قال ابن فارس في (مقاييس اللغة): " (نكر) النون والكاف والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف المعرفة التي يَسكُن إليها القَلب. ونَكِرَ الشَّيءَ وأنكَره: لم يَقْبَلْه قلبُه ولم يعترِفْ به لسانُه ".
أما المنكر في الآية فهو الحرام، وقد استعرضت الآيات التي ورد فيها ذكر "المنكر" لفهم المقصود منه، فوجدت أكثرها يحتاج لنص آخر لبيان المقصود من المنكر؛ ولكن من الآيات ما يوضح أن المنكر عند الإطلاق إنما يدل على الحرام:
قال تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (٧٩)) (المائدة)
وكلمة (مُنْكَرٍ) في الآية على العموم، حيث يندرج تحتها كل أنواع المنكر؛ وذلك لأنها نكرة في سياق النفي، فهل استحق بنو إسرائيل اللعن وذم عملهم لأنهم لم يتناهوا عن المكروهات؟