أنظارهم، وخُزَعْبَلات أفكارهم عليه. الثاني التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح، والسبيل القويم، بل الجادة التي ما سواها مردوم، والطريقة العامرة التي ما عداها معدوم، فمن وجد شيئاً من هذا، فغير ملوم أن يقول بملء فيه، ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري، أو الله أعلم بمراده." (١) وقد اعتمد بعض الذين تحدثوا فيها برأيهم هذا، على بعض الآثار التي ذَكرت محاولات اليهود لفهم هذه الحروف زمن التنزيل، وكلها آثارٌ ضعيفة (٢)، ولا يحتج بها حتى لو كانت صحيحة، فكيف نقتدي باليهود لفهم كلام الله؟! وقد كفروا بكلامه قبل التنزيل وبعده بناءً على فهمهم وتأويلهم، فهؤلاء ليسوا معذورين، إذ الجهل بأصول الحديث لا يُعتبر مُسوغاً للخوض في القرآن. ولنا كل العبرة في حديث الرسول - ﷺ - حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: "أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيّاً ما وسعه إلا إتّباعي" (٣)، وفي رواية "ولكني أعطيت جوامع الكلم، واختصر لي الحديث اختصاراً." (٤)
المسلك الثالث: الذين أرادوا إعطاء تفسير لها بغض النظر عن الوسيلة، إما طلباً للشهرة أو دفاعاً عن القرآن، وكأنها نقيصة في كتاب الله، فرموا القرآن من حيث لا يعلمون بالنقص والتحريف، فكان منهم من إدّعى وجود أمثال للحروف المقطّعة في بعض ألسنة العرب، وأنها كانت معروفة لديهم، وأنها من باب الاختصار للكلام، وأن أصحاب هذا اللسان قد اندثروا واندثرت معهم معاني الحروف، وهذا ما لا دليل عليه من التاريخ والآثار، ولا حتى من
(٢) كما قال ابن كثير فيها من باب التحقيق (١٦١/ ١)، وهي كما قال.
(٣) رواه الإمام أحمد (٣٨٧/ ٣) وابن أبي شيبة (٢٢٨/ ٦) والبيهقي في شعب الإيمان (٣٤٧/ ١) ورواه الدارمي من وجه آخر (١٢٦/ ١) من حديث جابر بن عبد الله وقال الألباني في الإرواء "حديث حسن" (٣٤/ ٦).
(٤) رواه الخطيب البغدادي في الجامع (١٦١/ ٢) وابن الضريس في فضائل القرآن (٥٤/ ١) بسند صحيح عن الحسن البصري مرسلاً.