حال، لنفهم الذكر كما فهمه العرب المخاطبون. والأمّيّ كما يقول في لسان العرب: "الذي لا يَكْتُبُ، قال الزجاج: الأُمِّيُّ الذي على خِلْقَة الأُمَّةِ لم يَتَعَلَّم الكِتاب فهو على جِبِلَّتِه، وفي التنزيل العزيز: ومنهم أُمِّيُّون لا يَعلَمون الكتابَ إلاّ أَمَانِيَّ؛ قال أَبو إسحق: معنى الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمُّه أي لا يَكتُبُ، فهو في أَنه لا يَكتُب أُمِّيٌّ، لأن الكِتابة هي مُكْتسَبَةٌ فكأَنه نُسِب إلى ما يُولد عليه أي على ما وَلَدَته أُمُّهُ عليه... وفي الحديث: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُب ولا نَحْسُب؛ أَراد أَنهم على أَصل ولادة أُمِّهم لم يَتَعَلَّموا الكِتابة والحِساب، فهم على جِبِلَّتِهم الأُولى. وفي الحديث: بُعِثتُ إلى أُمَّةٍ أُمِّيَّة؛ قيل للعرب الأُمِّيُّون لأن الكِتابة كانت فيهم عَزِيزة أَو عَديمة؛ ومنه قوله: بَعَثَ في الأُمِّيِّين رسولاً منهم." (١)، فالأمّيّ " في كلام العرب: الذي لا يحسن الكتابة. وقال بعضهم: هو الذي لا يعرف الكتابة ولا القراءة." (٢) وقد علمنا بأن لهذا الأمّيّ حالات - وكلهم فصيح بلسان القوم- أمّي لا يعرف الكتابة، وأمّي بالنسب لأهل الأمّية، "فقيل نسبة إلى الأم لأن الكتابة مكتسبة فهو على ما ولدته أمه من الجهل بالكتابة وقيل نسبة إلى أمة العرب لأنه كان أكثرهم أميين." (٣) وهنا يلزمنا ذكر حقيقة مهمة، وهي: أنه ما من أمة من الأمم غير العرب في ذلك الزمان، إلا وكانوا من أهل الكتب والكتابة، وهذه حقيقة ثابتة من ناحية النقل في كتب السير وعلم الآثار والتاريخ الحديث، فالفُرس لهم كتب والروم لهم، وأهل الكتاب (اليهود والنصارى) لهم، وأهل مصر وأهل الهند والسند لهم، حتى من سبقهم من العرب كالحميريين والثموديين وقوم عاد والأنباط، ومن سبقهم من غير العرب كالصينيين واليونانيين
(٢) القاموس الفقهي لسعدي ابو حبيب - أمم
(٣) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي - الألف مع الميم وما يثلثهما.