ذلك يقول الخفاجي: "أما قولهم للحروف التي في لغة العرب حروف المعجم، فليس بصفة للحروف، لأن ذلك يفسد من وجهين؛ أحدهما: امتناع وصف النكرة بالمعرفة، والثاني: إضافة الموصوف إلى صفته، والصفة عند النحويين هي الموصوف في المعنى، ومحال أن يضاف الشيء إلى نفسه" وبين أن المعجم لا يأتي بمنزلة الإعجام "لأنه ليس معناه حروف الكلام المعجم، ولا حروف اللفظ المعجم... بل يجوز أن يكون التقدير: حروف الخط المعجم؛ لأن الخط العربي فيه أشكال متفقة لحروف مختلفة عجم بعضها دون بعض ليزول اللبس. وقد يتفق في غيرها من الخطوط أن تختلف أشكال الحروف فلا يحتاج إلى النقط؛ فوصف الخط العربي بأنه معجم لهذه العلة. وقيل: حروف المعجم، أي حروف الخط المعجم كما يقال: حروف العربي؛ أي حروف الخط العربي." (١)
فالإعجام عكس الإعراب والإبانة والإيضاح، ويطلق على ما لا يفصح ولا يبين القول، كوصفهم لكل من لم يتحدث بلسانهم أعجميّ، والحروف معجمة لأنها مبهمة عند قارئها، فلا تعرف النون من الباء ولا الدال من الذال مثلاً، وهي لا تماثل الحروف الصوتية، واختلف في عددها بين خمسة عشر أو ستة عشر أو سبعة عشر، والصحيح عندي أنها خمسة عشر للشواهد التاريخية، ولو لم تكن مهملة ومعجمة لما اختلفنا على عددها.

(١) سر الفصاحة للخفاجي ص٢٤ - ٢٥، وقد ذكر ابن منظور في لسان العرب أقوال أهل العربية في هذا الباب بتوسع أكبر، ولمن أراد البحث فليراجع مادة (عجم) في اللسان، أما قول الخفاجي فقد انتصر له بإبطال ما سواه وقال بعده "وليس يمكن أن يعترض على هذا القول بأن يدعى أن وضع كلام العرب قبل خطهم، وأن التسمية كانت لحروفه بحروف المعجم من حين تكلم به، لأن قائل هذا يحتاج إلى إقامة الدلالة على ذلك، وهي متعذرة لبعد العهد، وفقد الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة ذلك، لا سيما إثبات التسمية لهذه الحروف بأنها حروف المعجم قبل وضع الخط وكلما يروى من ابتداء وضعه، وأنه خرج على ما قيل من الأنبار، وما يجري هذا المجرى فليس يثمر ولا الظن"، أما من استشهد بقولهم أعجمت الحروف بمعنى نقطتها وأظهرتها فليس بدليل لأنه لفظ حادث.


الصفحة التالية
Icon