وكذلك جاءت سورة ق ﴿ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)﴾ فقد نزلت لاستغرابهم بأن الرسول منهم فكذبوه وأظهروا كفرهم بالبعث، مع إيمانهم بأن الخالق هو الله، وهذا ظاهر في قوله تعالى بعد ضربه المثل بالأقوام التي كفرت ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)﴾ أي أعجزنا عن ابتداء الخلق من العدم لنعجز عن خلقه مما وجد، وجاء في آخر السورة ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)﴾ تأكيدا من الله أن الإيمان بالبعث لا يُجبر الناس عليه، وإن كانت الحجة فيه دامغة كما جاءت، فهو في قرارة النفوس ولا مجبر للنفوس إلا الله، ورسول الله بشر ليس بيده الإيمان والكفر، وجاءت هنا إشارة عظيمة على خفايا النفوس، لأن ما جاء على لسان الكافرين لم يكن السبب الحقيقي في تكذيب الرسول - ﷺ -، بل هو عجبهم بأن يكون رسول الله من البشر، فتوعد الله الكافرين بما قالوا وزعموا وظنوا، وأمر الرسول بالتذكير لمن آمن بالبعث وأيقن بأن الله محي الموتى بقوله ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ وهذا الأمر جاء لإحقاق الغاية من نزول السورة، وهي ذكّر بالقرآن من يخاف وعيدي وأكمل الرسالة ليعلم الكافرون بأن الله يصطفي من عباده رسلاً، وأنه متمم أمره على لسانك، وهو وحده الجبار الذي بيده نفوس البشر. وما محمد - ﷺ - وما في نفسه إلا من عظيم جبروت الله في بشره، بأن جعل من أنفسهم رجلاً هو كالرجال من البشر ولكنه على خلق عظيم، وله نفس طاهرة مطمئنة بأمر الله، وهو قادر على حمل رسالة الله للبشر جميعاً. ولكنهم أصرّوا واستكبروا وكانوا في عزة وشقاق، فقذفوا الرسول بأبشع الأقوال ووصفوه بما لا