الذين كفروا في عزة وشقاق} وغيرها من آيات الوعيد، وطلبهم هذا بجعل الكتاب أعجميّا لا يُعقل أن يكون من فراغ، لأنهم طلبوا تغيير لغة الخطاب، وإذا قلنا بأن السبب هو الشك بالذكر، وهو موطن الشبهة، فلا بد أن يكون في الغاية من الذكر أو تأويله (أي ما يؤول إليه) - لا في محتواه وأصله كما فصلت سابقاً - وهذا الشك له سبب من اثنين لا ثالث لهما: إما أن يكونوا محتقرين للغتهم ولا يفهمونها حق الفهم كما هو الحال في الأمم الضعيفة ذوات اللغات المنحطة في هذا الزمان، ويسعون لتغيير لغتهم، وبالتالي لا يريدونه بهذه اللغة الوضيعة ليفهموه حق الفهم، أو أنهم كانوا يحترمون لغتهم ويجلونها، ولكنهم لا يؤمنون بمقدرتها على احتواء كتاب من الله. وهنا نقف، لاستحالة الأول لكونهم كانوا يفتخرون بلسانهم الفصيح الوحيد ويسمون أي صوت غريب أعجمي، ولا نستطيع التعميم في الثاني، بل ويلزمنا فيه التفصيل والتدقيق بأمرين:
الأول: إن كان هذا الكتاب للعرب خاصة فلن يستقيم لنا أحد السببين لاستحالة هذا الطلب.
الثاني: إن اللغة يُقصد بها اللفظ والكتابة، وبما أننا نتحدث عن كتاب فالكتابة موطن الشك.
وعليه نأخذ من كل أمر ما صح من احتمالاته، فيبقى أنهم شكوا في لغة الكتاب إما لكونه للناس كافة ولجميع الأمم، وجاء عربياً بلغتهم، وهم من الأمم الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة، أو أنهم شكوا بقدرتهم على كتابة هذا الكتاب العظيم، أو الاثنين معا، فطلبوا ذلك لعلمهم بأنهم ليسوا من أهل الكتابة والعلم - وقد امتازت الأمم غيرهم بالكتابة - ولم يعتادوا على وجود الكتب بلغتهم، فلن يكون لهذا الكتاب شأن بين الأمم بفهمهم، وبالتالي هم يشكون في قدرة كتابتهم على احتواء هذا الكلام العظيم لنشره بين الأمم، ولكن لو صحّ استنتاجنا للزمنا القول بأنهم قد علموا أن شأن هذا الكلام عظيم، وأيقنوا بأنه لا يستقيم نزوله بهذه البلاغة ليُكتب


الصفحة التالية
Icon