يكون بلغة مشهورة أُشبعت كتابة، فيكون بذلك ذكر للعالمين بحق، ونحن أعلم بالكتابة منك، وحروفنا ليست بشيء بين حروف الأمم الأخرى، ولن تحتمل هذا الكلام البليغ العجيب، لأنها لم تحتمل كتاباً عادياً من قبل لتحتمل كتابك البليغ، وإن كنا نحن العرب لا نعرف الكثير عن حروفنا وتُعجم علينا فكيف بالأمم غيرنا، ونحن أيضاً أعلم منك بأحوال الأمم، لأننا نجول الأرض للتجارة والسياحة، ونشك في قدرة كتابتنا وحروفنا أن تصل لحد التعليم عند تلك الأمم، فكلهم قد برعوا بحروفهم وامتلأت مكتباتهم بالكتب) وبيّن الله هذه الشبهة بكلمة "ولو جعلناه" من الآية، أي إشارة على ما تضمرون، ولم يكن الرد فيها، بل بينت الغاية من كلامهم، والدليل أنه أمر الرسول بعد بيان الشبهة بقوله تعالى في تمام الآية ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ ولم يأمره في بداية الآية لأن الرسول - ﷺ - أمّي ولا يعرف اللغات ولا الحروف، وأمره بالصبر مجازا كما قال ابن جرير: "يقول له: فاصبر على ما نالك من أذى منهم، كما صبر أولو العزم من الرسل، ﴿وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ " (١)، وهذه الإشارة التي فهمها الطبري هي ذات الإشارة في آخر سورة القلم وسورة ق وسورة ص، ولعلمنا بأن اللغة تحتوي الألفاظ والكتابة، ولكون هذه الشبهة تحتوي ما لا يعلمه رسول الله - ﷺ - من علم الكتابة، كما لا يعرف الفرق بين العربية والأعجمية فيها، فكيف تم الرد عليها من جميع وجوهها من غير أن يعلم الرسول - ﷺ - علم الكتابة والحروف؟ وقد علمنا أنها غايتهم، لينزل في هذا القرآن ما هو إرشاد لعلم الكتابة العربية دون سواها، وبذلك سيكون الرسول - ﷺ - أعلم بها، وستنتفي بنزولها معجزة الرسول - ﷺ -، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

(١) الطبري (٤٨١/ ٢١) تفسير سورة فصلت


الصفحة التالية
Icon