عتبة بن ربيعة ﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) فصلت﴾ ورجع لقومه فسألوه: "ما وراءك - قال: ورائي أنّي سمعت قولاً، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشّعر ولا بالسّحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني، واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننّ لقوله نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أسعد النّاس به، قالوا: سحرك والله بلسانه، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم." (١) وفي رواية "فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته" (٢)، وفي رواية "وما دريت ما أردّ عليه." (٣) وفي رواية "ما فهمت شيئاً مما قال" (٤)، وأنكر عليه قومه عدم فهمه وقد سمع كلاماً عربياً، ولكنها حجة الكاذب المصدوم، وقالها لأنه لا يستطيع الحديث وأراد أن يختلي بنفسه كما جاء في نفس الرواية "لم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم"، وصدق الله إذ يقول بعدها (هو عليهم عمى)، إذن هذه هي الإشارة على السبب الذي منع المشركين من الرد، وتكمن في عجز هذا الخبيث وأصحابه عن الرد.
ومما يتناسق مع هذا المقصد ومع هذه الإشارة في الحروف قوله تعالى في سورة أخرى {حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا

(١) رواه البيهقي في دلائل النبوة (٢٠٥/ ٢) وقد اختلفت الروايات في ذكر هذه القصة بين الاختصار والتطويل، وقد ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام (١٥٨ - ١٦٠/ ١) وابن كثير في السيرة النبوية (٥٠٢ - ٥٠٥/ ١) وفي البداية والنهاية (٨٠ - ٨٢/ ٣) من عدة طرق وبوجوه كثيرة، وصحح الألباني روايتين في صحيح السيرة (ص١٦٠ - ١٦٢) مما يثبت القصة ولو اختلفت الأقوال فيها، والسيرة تعضد بعضها لأنها سرد.
(٢) رواه ابن أبي شيبة (٤٤٠/ ٨) وعنه عبد بن حميد (ص٣٣٧) وأبو نعيم في الدلائل (ص٢٣٠) ورواه الحاكم (٢٧٨/ ٢) وصححه ووافقه الذهبي وأوره ابن كثير في البداية والنهاية وفي السيرة النبوية، وانظر صحيح السيرة للألباني.
(٣) رواه البيهقي في الدلائل (٢٠٦/ ٢) والحاكم (٢٧٨/ ٢) وصححه ووافقه الذهبي وأوره في تاريخ الإسلام.
(٤) في الأثر قبل السابق


الصفحة التالية
Icon