الباب الثاني: وجه الدلالة في الحروف للحفاظ على لغة القرآن
كان لذكر حروف المعجم القديمة دلالة عظيمة على حفظ القرآن بلغته وهي: أن ذكر الحروف ولفظها بأسمائها مفصولة، برغم كتابتها على هيئة الكلمات موصولة، كانت مانعة للترجمة، وهذا ما أعطى للمسلمين دلالة واضحة، وبينة ظاهرة على منع الترجمة بإعجازهم لا بأمرهم، فقد أتى المنع بالدلالة لا بالتصريح على أنه "لا ترجمة للقرآن" بالمعنى الحرفي، إذ كانت هذه الحروف مكتوبة على هيئة الكلمات، ولها حكم الكلمة في كتابة حروفها، أما لفظها فعائد على ذكر أسمائها، وهي أصل اللغات وما لا ترجمة له حرفياً، وبالرجوع لعلم الحديث والأثر لا نجد أثراً واحداً عن النبي - ﷺ - ولا عن أصحابه يفيد بمنع الترجمة، ولكننا نجد الإجماع على تحريم ترجمة القرآن ترجمة حرفية! ولو سألنا: ما هو دليل الجمهور قياساً على ما يتعلق بعلوم القرآن؟ سيكون الجواب: ليس هناك دليل صريح بهذا، إلا المانع من الترجمة، وهي الحروف المقطّعة. فكيف تتم ترجمة الحروف المعجمة في أوائل السور وقد أنزلها الله حروفاً عربية، مقروءة (بلسان عربي مبين) ونحولها (نحرفها) لغير العربية، لندخل في مجال التحريف، وهو كفر كما أسلفت. هذا وإن كان من الواجب ترجمة القرآن بالمعنى، وهو من باب التبليغ كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ... الآية ٦٧ المائدة﴾ وهو ما سار عليه السلف والخلف، وهو من باب التفسير، إذ لا يعقل نشر رسالة الإسلام من غير نقل للمعانى لغير الناطقين بالعربية، فهي من البديهيات، ومن أنكرها فكأنما أنكر تفسير القرآن وضرب القرآن بعضه ببعض، وجعله خاص بالعرب دون سواهم. ولعل قائلاً يقول: إن العلماء قد استدلوا على عدم جواز الترجمة بناءً على الكثير من كلمات القرآن وآياته، وذلك بعدم إمكانية تحويلها للغة أخرى، مثل كلمة الواقعة في ﴿إذا وقعت الواقعة﴾، ويدمغه في قوله تعالى ﴿بل نَقِذِفُ بالْحَقِّ على الباطل فيَدْمَغُه فإذا هو زاهقٌ﴾ وإغلال اليد إلى العنق وبسطها في قوله تعالى