الأساس في بناءِ الكلمة، ولو كانت ترجمة الحروف ممكنة لتكلم الناس بلغة واحدة، وهيهات، فهو العجز البشري عن خلق ما جبلت عليه الشعوب من لغات وألوان، كما في قوله تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (٢٢) الروم﴾ ونظرة سريعة على علم الرياضيات وترجمته، نجد النظريات والفرضيات هي ذاتها في كل اللغات بعد الترجمة، والاختلاف حاصل فقط في الرموز الموضوعة داخل المعادلات، ولن يفهمها الباحث إلا ببيان معناها وما تدل عليه كلّ حسب لغته. وعليه أقول جَازِمًا: إن هذه الحروف الواردة في فواتح السور لا تحمل المعاني فقط، بل تحمل دلائل إعجاز عظيمة، وأول دليل لها هو منع ترجمة القرآن لاستحالة ترجمة الحروف إن اقتصرت على أصل المعاني الموجودة فيها كحروف، أو إن كانت على ظاهرها لا تحمل إلا معاني الحروف الكتابية. فإن قلت لماذا لا يستقيم ترجمة الحروف بلفظها كما لو ترجمنا (الم) بما يقابلها في اللغات الأخرى من حروف، فأقول إذن كتبناها مع إسقاط ما فيها من معاني على أصلها أولاً، كما نكون قد كتبناها على صورة أسمائها وبلغة أخرى، ولم نكتبها على صورة لفظها ومسمياتها كما جاءت ثانياً، وبه نكون قد أوقعنا اللبس في الكلمات المستحدثة ثالثاً، مما يلزم بوجود كلمات لا معاني لها في القرآن، أو لها معاني أخرى مباشرة بلغة أخرى، وهذا هو التحريف بعينه.
الباب الثالث: وجه الدلالة في الحروف للحفاظ على الكتابة بالحروف العربية
لقد كان لذكر الحروف المقطّعة إشارة عظيمة على فهم مغزاها عند أهل الجاهلية كما أسلفت، وبالتالي معناها عند أهل الكتابة ومن أسلم منهم، وللوقوف على بعض مكنوناتها وجب علينا ردها إلى أصلها، وليس أصلها هنا من ناحية اللغة بل أصلها عند بداية تشريفها لنا بالنزول، فهذه الحروف قد قدسها الله بمجرد ذكرها، وإن كانت قبل التنزيل من الحروف المهملة بين حروف الأمم، وهي من حروف البشر أولاً وأخيراً. فلنتأمل أولاً في كتابة القرآن ككتاب، لنستقي تلك النفحات النورانية المتمثلة بتقديس هذه الحروف، وثانيا بتعريف الكتاب بشكل عام مع أخذ الفائدة من كل تعريف موجود، قال في اللسان: "الكِتابُ: معروف، والجمع كُتُبٌ