وإن قال قائل: كيف لهم أن يكتبوا بحرف آخر غير عربي وهم بالكاد يعرفون الحروف العربية؟ فأقول: نعم، فالكثير من عرب شمال الجزيرة كانوا عرباً أقحاحاً يتكلمون بالعربية، ويكتبون بغيرها من الحروف كما يفعل الأنباط على شواهدهم التاريخية، وهي مشاهدة إلى الآن، وكذلك العرب في جنوب الجزيرة كانت لغتهم عربية وكتاباتهم متنوعة في الحروف، ولا ننسى بأن أهل العلم في ذلك الزمان كانوا من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) في المدينة وما حولها، وفي مملكة الحيرة وبلاد الشام، وفي اليمن والحبشة ومصر، وكلهم أصحاب حروف وأبجديات كانت في وقتهم لغات العلم ولغات العصر كما يسميها البعض، وقد كانت كتابة اللغة بغير حروفها من أدق أسباب التحريف للكتب المقدسة عند اليهود والنصارى، فقد كتب اليهود العبرية بأبجدية كنعانية فينيقية، إلى أن اتخذوا الخطوط المربعة من الآرامية، وهي ذاتها التي انقرضت واحتفظوا بها وأحيوها من جديد في دولتهم المزعومة على أرضنا المغصوبة الآن، أما نحن فلم تصلنا ورقة واحدة تدل على فعل الصحابة لهذا الأمر، بل جل ما وصلنا كتاب مزور، ألفاظه بالعربية ومكتوب بأحرف عبرية، كما أورده صاحب كتاب مجموع الوثائق السياسية للعهد النبوي، كرواية ثانية على معاهدة الرسول - ﷺ - لحنينا ولأهل خيبر ومقنا، وذكر أقوال العلماء في بطلانه. (١) وذكر صاحب البرهان "مسألة في كتابة القرآن بغير الخط العربي، هل يجوز كتابة القرآن بقلم غير العربي؟ (وقال): هذا مما لم أر للعلماء فيه كلاماً ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرأه بالعربية، والأقرب المنع، كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم القلم أحد اللسانين والعرب لا تعرف قلماً غير العربي قال تعالى: ﴿بلسان عربي مبين﴾ " (٢)، وأقول بل لا يحتمل الجواز لما أسلفت، فكيف يكون المثل "القلم أحد اللسانين" دَليلاً على تقييد كتاب الله، بل هناك مانع واضح وصريح ومكرر في تسع وعشرين سورة من القرآن. "وزعْم أن كتابته بالعجمية فيها سهولة للتعليم كذب مخالف للواقع والمشاهدة، فلا يلتفت لذلك على أنّه
(٢) البرهان، ج١ ص٣٧٩