لو سلم صدقه لم يكن مبيحا لإخراج ألفاظ القرآن عما كتبت عليه، وأجمع عليها السلف والخلف." (١)
"وقال ابن فارس: الذي نقوله إن الخط توقيفي لقوله تعالى (علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) (ن والقلم وما يسطرون).. وقال أشهب: سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء فقال: لا إلا على الكتبة الأولى، رواه الداني في المقنع ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة... وقال الإمام أحمد: يحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، وقال البيهقي في شعب الإيمان: من كتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغيّر مما كتبوه شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علماً وأصدق قلباً ولساناً وأعظم أمانة منّا فلا ينبغي أن يظن بأنفسنا استدراكاً عليهم." (٢)
إذن فالفائدة هي أنْ اكتبوا بالحروف العربية (وحدها) التي تعرفون ليتطابق اللفظ مع الرسم، وهذا ما تحصّل، فقد كان "القوم يتخيرون أجمع الحروف للمعاني وأسلسها على الألسنة وأقربها في المأخذ وأشهرها عند العرب للكتابة في المصاحف" (٣)، وما كانت الحروف العربية ذات شهرة قبل الإسلام، بل تكاد تَعد الآثار التاريخية لها قبل الإسلام على أصابع اليد، وبعد الإسلام صارت صنعة وفن، وهو ظاهر جلي في أنحاء العالم من شرقه لغربه، فتجد هذا الخط مكتوباً على المساجد والقصور، بل وأكثر من ذلك تجده قد طغى على غيره من الحروف فصارت تكتب به، وتقييد القرآن من شأن قائله وحده جلّ في علاه.
(٢) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج٢ ص٤٤٣، وقول ابن فارس في المزهر للسيوطي ج٢ ص٣٤٣ - باب القول على الخط العربي وأول من كتب به، وقال السيوطي قبلها: "أخرج الحافظ أبو طاهر السلفي في الطيوريات بسنده عن الشعبي قال: أول العرب الذي كتب بالعربية حرب بن أمية بن عبد شمس، تعلم من أهل الحيرة، وتعلم أهل الحيرة من أهل الأنبار."
(٣) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج١ ص٥٤٣، والقول لابن أشته، وهو المحدث أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن أشته الأصبهاني الكاتب (ت٤٩١هـ) كما في سير أعلام النبلاء (١٨٣/ ١٩).