نعم، ولكن كيف تحصل عندهم هذا الإجماع؟ ونحن نجدهم يجمعون المصاحف على مصحف واحد - هو المصحف الإمام - لا لجعله قرآنا وقد كان من قبل مكتوباً، بل ليجمع القراءات على خط واحد مشتمل لوجوه ألفاظ العرب، فالغاية منه إذن ليست الجمع - إذ لم يكن مقسماً - بل توحيد القراءات على رسم واحد، وهو ما اصطلح عليه "بالرسم العثماني"، وإن كانت هذه هي الغاية، ولم تكن الغاية قطعاً توحيد اللفظ للآيات بمنطوق أهل قريش - وفيهم نزل القرآن - دون سواهم، ونجد هذا واضحاً أيضاً في بعض الآثار بترجيح بعض الصحابة لرسم كلمة معينة دون رسمها المعتمد في المصحف الإمام لأنها توافق لفظ قريش، ولكنها من باب آخر لا تجمع ألفاظ العرب، وترجيحه مرجوح وقوله مردود بعلمه لا بعلمنا نحن، لذلك لا نجد خلافاً على توحيد المصاحف بالرسم العثماني، لعلمهم واتفاقهم أن الرسم العثماني جمع ألسنة العرب على رسم وخط وكتابة واحدة. إذن لماذا اشترطوا نقل اللفظ مع الكتابة وهم جمعوه بسبب تنوع اللفظ؟ فإن قال قائل: إن عثمان بعث مع نسخ المصحف من يبلغ القرآن على ألسنة العرب، ليتم حفظ لهجات العرب، فأقول إن هذا مما وقع للناس لاعتقادهم بأن القراءات المشهورة للقرآن هي ذاتها ألسنة العرب في زمن التنزيل، وهذا من وهم العوام. ولبلوغ المقصد الصحيح، علينا الرجوع لأصل الرسم العثماني قبل التشكيل والتنقيط في زمن الصحابة ومن أدركوه من أهل الفصاحة وأهل الألسنة التي نزل بها القرآن، هل سيقرأون القرآن بوجه غير صحيح وقد نزل القرآن على لسانهم!؟ والجواب قطعا لا، إلّا في موضع واحد، وهو فواتح السور! فما أدراه ما هي (ب) أهي ب أم ت أم ث أم ن أم ي و (ص) أهي ص أم ض و (ق) أهي ف أم ق؟ لن يعرف إلا بمعرفة لفظها، ومن لفظها تتم الرسالة فقط، وعلاوة على ذلك فقد جاءت الحروف مكتوبة على هيئة مسمياتها، وتلفظ بأسمائها كما في الهجاء، فلا سبيل لقراءتها إلا على أساس اللفظ فيها كما كتبت، كما "قال سيبويه: قال الخليل يوماً وسأل