أن يقولوا "يعتقد أنها أحرقت أو أتلفت في السبي البابلي" والإعتقاد غير الجازم ظنٌّ محض، يسوّغ لي أن أفرض أنهم كتموا ما حل بها لغاية في نفسهم لا نعلمها ولا نريد أن نعلمها، ولكننا سنثبت الكتمان هنا بالأدلة القاطعة من نفس الكتاب، ويتمثل الكتمان بإثبات النقص في سفر إرميا عن عمد وهذه الأدلة هي:
الدليل الأول: يعرف تاريخياً بحسب العهد القديم وكتب التاريخ الأخرى بأن الكاتب لهذا السفر في الأصل شخص اسمه باروخ بن نيريا، إلّا أن السفر الحالي يحوي كلاماً يدل على أن الكاتب غيره، إذ كتب عن قصص باروخ وكتابته للسفر من ضمن السياق وفي مواطن كثيرة مثل قوله في إرميا (٣٦: ١٣) (واخبرهم ميخايا بكل الكلام الذي سمعه عندما قرأ باروخ السفر في آذان الشعب.) وسفر إرميا الحالي عليه إضافة واضحه بقلم الكاتب، فهو الآن٥٢ إصحاح وفي نهاية الإصحاح ٥١ قال الكاتب "إلى هنا كلام إرميا". يعني انتهى كلام إرميا! وأكمل الإصحاح الأخير من نفسه، لذلك علّقوا في بعض النسخ على هذه الزيادة بأنها مأخوذة من سفر أخبار الأيام وأنها معدلة. إذن فقد تم الإسقاط فيه واستبدال الكلام الجديد بما كان سابقاً مثبت. ولو قال قائل هذا استنتاج لقلت بل هو حقيقة ظاهرة وبشهادة الكتاب نفسه وهو الدليل الثاني على أن الإسقاط قد حصل وعن عمد.
الدليل الثاني: لاحظنا سابقاً فيما نقلت عن سفر أخبار الأيام الثاني (٣٥) قوله: ((٢٥) ورثى إرميا يوشيا. وكان جميع المغنين والمغنيات يندبون يوشيا في مراثيهم إلى اليوم. وجعلوها فريضة على إسرائيل. وها هي مكتوبة في المراثي. (٢٦) وبقية أمور يوشيا ومراحمه حسبما هو مكتوب في ناموس الرب (٢٧) وأموره الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في سفر ملوك إسرائيل ويهوذا.) وأقول: أما التطابق بين هذا السفر وهو أخبار الأيام وسفر الملوك فهو حاصل وقد أشرت سابقاً أن الكاتب صرف فيه جهداً لإثبات مطابقته، أما سفر المراثي الخاص بإرميا فليس لهذه المرثية


الصفحة التالية
Icon