الفصل السادس: الدليل والبرهان على ما في الحروف من إعجاز في نظم البيان
لتأصيل القول في هذا الوجه من الإعجاز، وهو الإعجاز بمقتضى ذكر الحروف وما فيها من دلالات وإشارات، باعتبار الدلالات كأصل أول، وبالنظر لهذا الكتاب على أنّه إلهيٌّ لا يتفق مع صنعة البشر كأصل ثاني، وأنه ما من شيء في كتاب الله مما استأثر الله بعلمه لنفسه، وهو الغاية من رسالة الإسلام الحنيف وهدف القرآن العظيم لبيان الدين والمنهج للبشر كأصل ثالث، تظهر لنا عظمة النظم الإلهي بذكر الحروف ضمن نسق لا إنساني على أي اعتبار، وبنظم مختلف عن الحال في الأبجدية كقولنا (ألف باء تاء)، وترتيب عجيب إذا جمعناها وأردنا استخلاص القواعد منها. فقد أتت هذه الحروف في بدايات بعض السور وكأنها مفاتيح لها، ولم تأت في أوسطها فيلزمنا فهمها لرد الإعجام عن القرآن، وجاءت مفصلة على أساس كلام العرب، "فكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك، سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك" (١)، وليس منها كلمة ألِفَتْها العرب، بل هي حروف لها معاني في مفردها، ولها دلالات عظيمة في مفردها وما جُمع منها في موقعه، وهذا أبلغ القول بل منتهى البلاغة في الكلام على الإطلاق، وبالنظر لنظم الحروف في بدايات السور نجد الإشارة واضحة على دعم هذا الفهم، وهو حاصل بالاستقراء أيضاً.
الباب الأول: محاولات فهم النص بحسب النظم
لنبدأ بأولى المراحل وأبسطها على فهم الإنسان، وهي السور المبتدئة بحرف واحد، وهي الخطوة الأولى لنلتمس الإشارة في النظم، وقد جاءت في ثلاث سور: (القلم، ص، ق)، وكلها مكية،

(١) الكشاف للزمخشري (٣١/ ١)


الصفحة التالية
Icon