تشريع من الله، وما كانت في نظرهم إلا خسارة في المنتج طمعاً بما هو في علم الغيب، فكلهم قد أنكروا تشريع الله وحكمه بقولهم، وكلهم أنكروا الغيب بفعلهم.
رابعاً: كلا الطرفين عذبه الله بنوع من عذاب الدنيا، فأصحاب الجنة كان عذابهم بخسارة المال وانعدام الربح، وليس هذا من عذاب الآخرة بشيء، والكافر ذو المال والبنين المدّعي بأن القرآن من أساطير الأولين قال فيه تعالى ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ قال ابن جرير: "سنبين أمره بياناً واضحاً حتى يعرفوه، فلا يخفى عليهم، كما لا تخفي السمة على الخرطوم." (١) ورغم اختلاف التأويل في معناها إلا أنها ليست من عذاب الآخرة بشيء. ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلًعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)﴾ هذا لأصحاب الجنة، أما عذاب المشركين فهو ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)﴾ هذا عذاب الكافرين ومن كذّب بالقرآن.
خامساً: كلاهما تم تذكيره بالله وبحكمه من قِبَل أفضلهم وأوسطهم، فرسول الله - ﷺ - كان منذر القوم ومذكرهم بالله، وهو أوسط القوم على الإطلاق - وكان القسم ببداية السورة على صدقه وخلقه العظيم - وأصحاب الجنة ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)﴾.
سادساً: كلاهما أقسم على باطل، فأصحاب الجنة أقسموا على معصية الله بقطف الثمر وحرمان المساكين من نصيبهم، كما أن الكافر المهين قد تم وصفه بـ (حلّافٍ مهين)، "وذلك أن

(١) الطبري (٥٤١/ ٢٣) تفسير سورة القلم


الصفحة التالية
Icon