أقول نعم فهذه كلمة (لدن) بمعنى (عند)، وهي من حروف المعاني، (١) وقد أتت في قوله تعالى ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) فصلت﴾ وفي قول سفيان بن حرب في معركة أحد

ومازال مُهري مَزْجَرَ الكَلْبِ منهمُ لدُنْ غُدْوةً حتى دنتْ لغروبِ (٢)
وهي ظرفٌ للزمان أو للمكان - على حسب الحال - يدلّ على بداية كلٍّ منهما (٣)، وهي في الكلام فضله، (٤) ولكنها تدل على الفصاحة في القول، والبلاغة في البيان، وفي نطق كلمة لدن عند العرب ثمان لغات، ومنهم من عد إحدى عشرة لغة فيها وحدها (٥)، وهي تلازم ما تضاف
(١) قال أبو القاسم الزجاجي: "عند أداة لحضور الشيء ودنوه كقولك كنت عند زيد أي بحضرته وكان هذا عند انتصاف النهار فتحتمل الزمان والمكان" حروف المعاني - الحرف (١)
(٢) الأم للشافعي (٢٥٩/ ٤) وفي ثمار القلوب للثعالبي (ص٣٩٥) والبداية والنهاية لابن كثير (٢٤/ ٤) والكامل في التاريخ لابن الأثير (٥٢/ ٢).
(٣) مبنيٌّ على السكون نحو: (سافرنا لدُنْ طلوعِ الشمس: للزمان) و (جئت من لدنْ صديقي: للمكان).
(٤) أي: لا يفتقر إليه انعقاد الكلام، إذ ليس مسنداً ولا مسنداً إليه.
(٥) قال الألوسي (٩٠/ ٣): "فيها ثمان لغات. فمنهم من يقول ﴿لَّدُنْ﴾ بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وهي اللغة المشهورة، وتخفف بحذف الضمة كما في عضد وحينئذ يتلقى ساكنان. فمنهم من يحذف النون لذلك فيبقى لد بفتح اللام وسكون الدال. ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال فتحا فيقول ﴿لَّدُنْ﴾ بفتح اللام والدال وسكون النون. ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال كسرا فيقول ﴿لَّدُنْ﴾ بفتح اللام وكسر الدال وسكون النون ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول ﴿لَّدُنْ﴾ بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون، وقد يخفف بنقل ضمة الدال إلى اللام كما يقال في عضد عضدًا بضم العين وسكون الضاد على قلة، وحينئذ يلتقي ساكنان أيضاً. فمنهم من يحذف النون لذلك فيقول لد بضم اللام وسكون الدال. ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول ﴿لَّدُنْ﴾ بضم اللام وسكون الدال وكسر النون فهذه سبع لغات. وجاء لد بحذف نون ﴿لَّدُنْ﴾ التي هي أم الجميع وبذلك تتم الثمانية، ويدل على أن أصل لد لدن إنك إذا أضفته لمضمر جئت بالنون فقتول: من لدنك ولا يجوز من لدك كما نبه عليه سيبويه، وذكر لها في همع الهوامع عشر لغات ما عدا اللغة القيسية فليراجع."


الصفحة التالية
Icon