الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أبدع أهل المشافهة المتسلسلة على مر السنين في هذا العلم، وزادوا عليها بإبداع ترانيم متعددة ومختلفة تضمن سهولة التلقي لما فيها من عذوبة ودعوة لتسهيل الصعوبة في إتقان التلقي، وهذا علم لا يعرفه إلا أهله، وليس من سبيل لنقله غير المشافهة. وهذه من أعظم الفوائد للإشارة على صفات الحروف، وهي دلالة عظيمة على إعجاز النظم بذكر حروف يظنها القاري بلا نسق، وهي تحمل في طياتها أسباباً لظهور علوم شريفة ننعم بها ونعجب من قدرة دارسيها.
ولكن لعل القائل في نفسه شيء بعد هذا البيان، وفي إمكانه السؤال: لماذا أتت بهذا النسق: مرة بحرف، ومرة بحرفين وكذا، ولماذا لم يأت هذا النصف من الحروف بشكل آخر، وهل من احتمال متسق لذكرها؟ قلت: قد أحصى هذه الخيارات أو الاحتمالات في التقطيع لوجوه ذكر أنصاف الحروف بديع الزمان النورسي وقال: "إنّ القرآن اختار طريقاً في المقطّعات من بين أربعة وخمسمائة احتمال، لا يمكن تنصيف طبائع الحروف إلا بتلك الطريق، لأن التقسيمات الكثيرة متداخلة ومشتبكة ومتفاوتة. ففي تنصيف كلٍّ غرابة عجيبة." (١) ولا أحتج بهذا الكلام بل أسير على دربه وأقول: لو لم تأت بهذا النسق لأتت بنسق آخر على وجوه كثيرة، ولكنها قد تضفي لذاتها معنى على غير الوجه الذي أتت به، أو تخالف أصول الكلام من عذوبة وقدرة على النطق بها، ومن هذه الخيارات:
- لو كتبت كما تلفظ كأسمائها الف لام ميم لكانت من باب السرد للأبجدية فكان ذكرها في موضع واحد أبلغ من ذكرها في مواضع وصار اللبس فيها من حيث الإعراب فيظن البعض أنها ألفُ لامُ ميمُ واقتضت الزيادة.
-؟

(١) إشارات الإعجاز في مضانّ الإيجاز - سورة البقرة


الصفحة التالية
Icon