وقد اتبعت طريقاً في سرد الحقائق والشبه، اعتمدت فيه على تفصيلها أولاً، ثم بالرد على المبتدعين والحاقدين من غير احتجاج بما جاء في فواتح السور من دلالات ثانياً، وذلك ليأتي الرد من بابين: أولاهما الرد بكلام البشر على البشر، كما هو ردي عليهم، وثانيهما بفهم الدلالات وردّها عن نفسها بما نعجز نحن البشر عن مثله، ليُفرّق القارئ بين إعجاز البيان وما يقوله البشر من كلام، فلا يستعجلن أحد في الحكم على شيء قبل المقارنة بما يوافقه من دلالات وإشارات في كلام الله.
هذا وأسأل من يقرأ في كتابي هذا العذر والصفح؛ إن رآني أقل منه منزلة في علم له علاقة أو منهج مُتَّبع هو فيه إمام، أو رأى ما لعله يثيره عليّ، لأنني سلكت في تأليف هذا الكتاب درباً لم أجد لي فيه مرشداً إلا ما زكّته النفس عن إيمان ويقين بعد البحث والاستقراء، ولست أدعي فيه السلامة من الخطأ، ولا العصمة من الزلل وأعترف بالتقصير. فقد كان أساس البحث فيه ما انقدح في نفسي من فهمٍ للحروف، فبحثت عنه بما آتاني الله من قوة في كتب السابقين وما سطّر المعاصرون، فلم أجد لما ذهبت إليه فيها قرين، ولم أجد كذلك أن ما ذهبت إليه قد خالف أصلاً من كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ - أو أصلاً من أصول أهل العلم في فهم النصوص، فعلمت أنه لا يحق لي كتمانه، كما لا يحق لي إطفاء شعلة من نور في طريق العلم، وأنني إن فعلت كنت مستحقّاً للجام لا أقوى على احتماله.
ولما كان هذا المسلك من التأليف فيه ما فيه من سعة المطالب، ولا يكون إلا بشحذ الفكر وإعياء النظر، فيجب على المنصف إن كان من أهل العلم الصادقين، أن يعرض عما يجدني أشير إليه باختصار، أو أسهب فيما يدعوه للملل والانتظار، ولْيسارع في التجاوز عنه وعني، وليتذكر بأن الدين النصيحة، ولينتهي إن شاء بالذي ابتدأت به النصيحة فكانت لله أولاً ولْيكتب ما هو خير منه، أو ليأخذ منه ولْيَزد عليه ما شاء، لأكون ابتداءً سبباً في دفع العلماء