وخلف من بعدهم خلف جعلوا وصف الكلمات ومعانيها غاية الخطاب في القرآن، وخلطوا التأويل بالتفسير، بل كان التأويل والمعنى والتفسير عندهم واحد، فقاسوا الناس على ما رأوه من مقاصد، وكأنها المعاني الظاهرة، وأقاموا بها الحجة على مخالفيهم، وأخذوا مما ذكر لهم من تأويل الصحابة ومن نقل عنهم - وإن كان بالإشارة- مسوغاً للقول في القرآن كل حسب رأيه، ومنهم الصادقون ومنهم الفاسقون، وقاس بعضهم القرآن بالرأي، وأدخلوا فيه علم الكلام ليثبتوا ما قالوا من مقاصد، فكان التأويل بينهم ما جاء في اللسان "المراد بالتأْويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأَصلي إِلى ما يَحتاج إِلى دليل لولاه ما تُرِك ظاهرُ اللفظ" (١)، فاقتصر التأويل عندهم على تفسير الكلام بمعانيه، لنقل ظاهر اللفظ عن وضعه من غير النظر لحقيقة الإشكال في الظاهر، وعدم الرجوع للدليل في حصول الإشكال كما طالبوا هم لرفعه.
وبناءً على هذا التفصيل نعود لأصل الخلاف على كلمة التأويل بين المفسرين في تفسير قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ٧]، لنعلم الحق ونتبعه، فالقرآن ينزل في العهد المدني بسورة آل عمران، مخاطباً رسول الله - ﷺ - وأصحابه ومن حاز علمهم فكان راسخاً فيه، فيقول هو الذي أنزل هذا الكتاب عليك، وهو من قال هذا الكلام وهو أعلم بما يقول، وقد علمنا أن ما نزل من الكتاب في حينه كان يشمل ما نزل في مكة لإقامة الحجة على المشركين، ويشمل ما نزل وينزل من أنباء السابقين وتشريع للمسلمين، ويشمل ما جاء من ذكر للغيب بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب