وأشعارهم وهذا هو الباطل بعينه، كما أن قياسه على علوم البشر باطل لا شك فيه، لأن الحروف لم تشتمل على تشريع أو نقل خبر أو إعلام بغيب، وبذلك علم المتكلمون فيها من غير علم أن بها إعجازاً لما في نظم القرآن كله من إعجاز ولم يجدوه، فكانوا من إحدى الفرقتين "إحداهما: قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، والثانية: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه والمخاطب به." (١)
الباب الثالث: سبب الخلاف في تأويل الحروف ومسببات الخلاف
أما سبب الخلاف في تأويل الحروف فهو سبب أصيل، وتفترق مسبباته على ثلاث، أما السبب الأصيل: فهو التساهل في نقل المعاني الظاهرة لعبارة النص أو اللفظ عن وضعها الأصلي بدليل ظني الثبوت أو بدليل لا حجة فيه على المعاني وإن كانت فيه دلالة على سعة المقاصد في كتاب الله، وهذا ما يلزم التأويل لا التفسير، "ونحن لا ننكر إزالة للنص عن ظاهره وعمومه ببرهان من نص آخر أو إجماع متيقن أو ضرورة حس وإنما ننكر ونمنع من إزالة النص عن ظاهره وعمومه بالدعوى فهذا هو الباطل الذي لا يحل في دين ولا يصح في إمكان العقل" (٢)، كما لا نقبل بأن يقال في النصوص ما هو أدنى من ظاهرها، بالقول إنه لا معنى لها، فهذا من الزلل، وهو من أخطاء القائلين بمطلق الظاهر من غير فهم، وهو إنكار للقياس الصحيح المتفق عليه بين البشر لا المسلمين فقط، "وسبب هذا الخطأ حَصْرهم الدلالةَ في مجرد ظاهر اللفظ دون إيمائه وتنبيهه
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري ج٥ ص١٢٨